السؤال
في مسألة القصاص فيما دون النفس، هل إذا تعدى المسلم على الكافر بجرحه أو بقطع شيء من أعضائه يقتص منه للكافر؟ فقد قال الشيخ ابن عثيمين ما معناه: أنه إذا انتفى القصاص في النفس في حالة معينة انتفى القصاص فيما دون النفس، أي مادام المسلم لا يقتل بالكافر إذاً لا يقتص منه فيما دون النفس للكافر، لكن ما هو الدليل على ذلك؟ أشعر في نفسي أن في ذلك بعض الظلم، وهل يجب التعزير في هذه الحالة بدل القصاص فيما دون النفس؟.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما رأيته في نفسك ظلماً، هو عين العدل، فلا يستوي المسلم والكافر، قال تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ {ص: 28}.
وقال سبحانه: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ {القلم: 35ـ 36}.
وانظر الفتوى رقم: 141473.
وأما حكم القصاص في الأطراف، فكما ذكر الشيخ، قال الشنقيطي في أضواء البيان: وَأَمَّا حُكْمُ الْقِصَاصِ بَيْنَهُمْ فِي الْأَطْرَافِ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقِصَاصِ فِي الْأَنْفُسِ، فَكُلُّ شَخْصَيْنِ يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، فَإِنَّهُ يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَطْرَافِ، فَيُقْطَعُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالذِّمِّيُّ بِالذِّمِّيِّ، وَالذَّكَرُ بِالْأُنْثَى، وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ، وَيُقْطَعُ النَّاقِصُ بِالْكَامِلِ، كَالْعَبْدِ بِالْحُرِّ، وَالْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ النَّاقِصَ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْكَامِلِ فِي الْجِرَاحِ، فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ عَبْدٍ جَرَحَ حُرًّا، وَلَا مِنْ كَافِرٍ جَرَحَ مُسْلِمًا، وَهُوَ مُرَادُ خَلِيلِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيِّ بِقَوْلِهِ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَالْجُرْحُ كَالنَّفْسِ فِي الْفِعْلِ، وَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، إِلَّا نَاقِصًا جَرَحَ كَامِلًا ـ يَعْنِي فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لَهُ ـ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبُ الْقِصَاصِ وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ، وَمَنْ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِهِ، لَا يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ، فَلَا يُقْطَعُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ. انتهى.
وقد بوب البخاري: باب: إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب ـ وجاء في فتح الباري لابن حجر: أي لم يجب عليه قصاص كما لو كان من أهل الذمة، وكأنه رمز بذلك إلى أن المخالف يرى القصاص في اللطمة، فلما لم يقتص النبي صلى الله عليه وسلم للذمي من المسلم دل على أنه لا يجري القصاص، لكن ليس كل الكوفيين يرى القصاص في اللطمة، فيختص الإيراد بمن يقول منهم بذلك. انتهى.
وأما التعزير: فثابت، فإنه ذنب لم يُقدر فيه عقوبة، وانظر الفتوى رقم: 134374.
مع التنبيه أن القصاص فيما شرع فيه، فيما دون النفس إنما يشرع حين إمكان حصول العدل، أو المثلية في التعدي وانظر الفتوى رقم: 254710.
والله أعلم.