السؤال
وقع خلاف بين أختي وطليقها، وامتد خلافهما إلى المحاكم، وقد وقفت بجانب أختي، وكنت بهدف الإساءة إلى طليق أختي، أكتب قصائد، وأبعثها إلى كتاب المقالات في الصحف، باسم أنها قصائد تناقش موضوعات اجتماعية، والحقيقة أنني أعني طليق أختي بهذه القصائد، وأخبر أقرباءنا، ومعارفنا بذلك؛ حتى أشهّر به بينهم، وهو لا يستطيع الشكاية مني بسبب تلك القصائد؛ لأن اسمه لم يرد فيها لا تصريحا، ولا تلميحا.
سؤالي: الآن أشعر بتأنيب ضمير شديد بخصوص ما كنت أفعله، ولا أدري كيف أكفر عما فعلت، علما أن تلك القصائد (عددها ثلاث) لم يرد فيها اسم طليق أختي لا تصريحا، ولا تلميحا كما أسلفت.
هل يكفي دعائي لطليق أختي في التكفير عما فعلته بحقه؟
القصائد الثلاث الآن ضمن ديواني الشعري.
فهل يلزمني إتلاف نسخ الديوان بسبب وجود تلك القصائد الثلاث فيه؟
أفيدوني بما يجب علي فعله. كتب الله لكم الأجر.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه يحرم الاغتياب للناس، ومن اغتاب أحدا فيجب عليه استسماحه، وإلا اقتص له منه يوم القيامة، فإن كانت له حسنات أخذ منها المظلوم بقدر المظلمة، وإلا حمل عليه من سيئاته بقدرها، وفي الصحيح عن أبي هريرةـ رضي اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ.
وقد ذكر بعض أهل العلم أنه لا يجب إعلامه بما كان منه، ولكن يحرص على الإحسان إليه، ثم يطلب منه السماح بشكل عام، ويكثر الدعاء له، والاستغفار.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: فَأَمَّا إذَا اغْتَابَهُ، أَوْ قَذَفَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، فَقَدْ قِيلَ: مِنْ شَرْطِ تَوْبَتِهِ إعْلَامُهُ, وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ, وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ, وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد, لَكِنَّ قَوْلَهُ في مِثْلَ هَذَا أَنْ يَفْعَلَ مَعَ الْمَظْلُومِ حَسَنَاتٍ, كَالدُّعَاءِ لَهُ, وَالِاسْتِغْفَارِ, وَعَمَلٍ صَالِحٍ يهدى إلَيْهِ، يَقُومُ مَقَامَ اغْتِيَابِهِ، وَقَذْفِهِ. اهـ.
وقال في مختصر الفتاوى المصرية: وَإِن اغتاب غَائِبًا وَهُوَ لم يعلم، دَعَا لَهُ, وَلَا يحْتَاج إِلَى إِعْلَامه فِي أصح قولي الْعلمَاء. اهـ.
وقال ابن القيم في كتابه الوابل الصيِّب: ... والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفارُ، وذِكْرُهُ بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها. اهـ.
وقال المرداوي في الإنصاف: لا يشترط لصحة توبة من قذف، وغيبة ونحوهما إعلامه، والتحلل منه على الصحيح من المذهب. وقيل يحرم إعلامه، وقيل إن علم به المظلوم، وإلا دعا له، واستغفر ولم يعلمه. اهـ.
وأما القصائد: فإن تضمنت إساءة له أو لغيره فينبغي حذفها، أو حذف ما فيها من الإساءة له أو للآخرين.
والله أعلم.