السؤال
أنا شاب أعزب، أعمل في مكتب استشارة في مجال التكوين، وأعيش في فرنسا. غالبا ما أقدم الاستشارة إلى زبائني عن طريق المحادثة بالهاتف، وبالإنترنت؛ لأنهم من الجزائر في الغالب.
ومن بين زبائننا المكلف بملفهم، فتاة في 25 من العمر، تعيش في الجزائر، تحمل الكثير من الصفات الحميدة، ومواصفات التدين.
كان حديثنا في البداية حول مشروعها التكويني، ثم أخبرتني أن أباها لا يعطيها فلسا واحدا لتدرس، وأنه لا يصرف على العائلة إلا قليلا، بحجة أن أجرة تقاعده زهيدة. فالرجل لا يصلي، ولا يصوم، وأن أخاها هو من يعيلهم، وأن الأب يأتي للبيت يصرخ، ويصرخ، ثم يخرج.
ثم استرسلت لتقول إنها مخطوبة لشاب لا يعمل كذلك. فهمت من حديثها أنها قبلت به للخروج من بيت أبيها المليء بالمشاكل، التي يسببها الأب.
فبدأت أقترح عليها فرصا للتكوين، لإيجاد عمل لخطيبها. فصدمتني بقولها إنه لا يريد العمل، وهو لا يملك مسكنا لهما كي يستطيع فعل العرس، والزواج؛ لأنه ينتظر ميراثا عائليا، يكفيه لشراء بيت، ثم الزواج (حسب ما قاله لها). وقالت إنها سئمت من انتظار هذا الميراث الذي لم يقسم بعد. ومعلوم أن الخلافات في الميراث قد تدوم سنوات، وسنوات قبل أن يأخذ كل ذي حق حقه. فلم أجد حلا لهذه المشكلة، علما أني عادة ما أجد حلولا لأصدقائي، وزبائني.
في رمضان الماضي لاحظت أن حالتها النفسية تدهورت. وأخبرتني أنها تتناول دواء للنوم، ونسيان الواقع المر؛ فأشفقت عليها، وأخبرتها أن تترك هذا الدواء فورا؛ لأن مضاعفاته على المدى البعيد جد سيئة. لا أدري لماذا لا تتحدث بهذه الأمور لخطيبها؛ لأنه هو الشخص المفروض أن يؤازرها في هذه اللحظات الصعبة. وأؤكد على أن الفتاة على دين، والتزام، وأنها ليست ممن تصاحب الرجال، وتركن إليهم، فهي كثيرة الصلاة بالليل. فأدركت حينها أنها لو وجدت عند أبيها، أو خطيبها النصح، والإصغاء الذي وجدته عندي، لما اشتكت لي كل همومها.
بعد رمضان توقفت عن تناول دواء النوم (حسب تقديري؛ لأني أفضل أن لا أكلمها في الموضوع إن لم تتكلم هي). لكن أخبرتني منذ يومين أنها عادت لعدم النوم ليلا.
وفي خضم الحديث عن تكوين في فرنسا حيث تعيش عمتها، حيث تريد عمتها أن تذهب لفرنسا للعيش معها. قلت لها: وماذا عن خطيبك هل سيذهب معك إلى فرنسا؟ فقالت: إن أمر الزواج منه لم يعد يهمها. فتعجبت لهذا الجواب، وفهمت أنها تريد التخلص من هذا الخطيب؛ للتخلص من عذابه، فلا هو عمل فتزوجها، ولا هو ورث فتزوجها، ولا هو فسخ الخطبة كي يتركها لحالها. وهي بدورها لا تجرؤ على فسخ الخطوبة الآن، خوفا من الفراغ الذي سيتبع هذا القرار.
شيخنا الكريم: لقد أظهرت لي أكثر من مرة من خلال حديثها، أنها معجبة بنجاحي المهني، وأنها تعتبرني قدوة في النجاح -ولا أزكي نفسي على الله- فهذا من توفيق الله لي. وأنها تخبرني بأسرار عن نفسها لا تخبر بها لا أمها، ولا أباها، ولا خطيبها الذي لا تكلمه إلا نادرا.
وقد أهدت لي هدية متواضعة، مع أنها لا تعمل، وإمكانياتها جد محدودة؛ لتشكرني على تشجيعي لها المستمر، ونصائحي. وكانت أول من أرسل لي رسالة تهنئة بعيد الفطر. كما لا أخفي لكم إعجابي بأخلاقها، وصبرها على ما هي فيه، وأنها توافق صفات الزوجة الصالحة التي أبحث عنها. فلو لم تكن مخطوبة لهذا الرجل، لقصدت أباها دون تردد. وفهمتُ أنها تنتظر أن أخبرها بأنني أريدها كزوجة كي تفسخ خطوبتها رسميا من الخطيب الأول؛ إذ تعلم أنني أعزب، لكن لا تعلم إن كنت أفكر في فتاة أخرى غيرها. فأنا أتجنب الحديث عن نفسي مع زبائني. فكانت الأسرار، والهدية، والتهنئة المبكرة بالعيد، تلميحا منها أنني لو تقدمت فسوف تقبل. لكن لا تستطيع فسخ خطوبتها، وهي غير متأكدة من مجيئي لطلبها بعد. إذ أن أخوف ما تخافه هو خسران الخطيب الأول، وعدم إقبالي أنا؛ وبالتالي بقاؤها في بيت أبيها الذي تعتبره عذابها الأكبر.
شيخنا الكريم: لما علمت بحرمة الخطبة على الخطبة، لا أستطيع التقدم الآن لخطبتها وهي مخطوبة. لكن من جهة أخرى يؤلمني عذابها، وأخاف أن يتدهور حالها من جراء تناول هذه الأدوية، ومن أشياء أخرى ربما لم تحدثني بها، فوضعها العائلي، ومع خطيبها جد سيء.
وقد أخبرتني أنها تريد الدراسة في أي مدينة أخرى للفرار من جحيم بيت أبيها. وأنا متأكد أنني لو خطبتها للزواج، فستكون أسعد امرأة في العالم. وسوف تصبر عند أبيها حتى زواجنا بعد سنة؛ لأن وثائق مجيئها إلى فرنسا تستغرق سنة.
شيخنا الكريم: سؤالي بسيط: هل يجوز لي إخبارها ولو بواسطة (كأختي مثلا) أنني سأتقدم لخطبتها لو فسخت مع الخطيب الأول؟
وهل يعتبر هذا الكلام خطبة على الخطبة؛ لأنني لا أريد أن أبدأ مشروع زواجي بالحرام، بل أريد أن أكسب أجر زواجي، وأجر إنقاذها من العذاب الذي تعيشه؟
وإلا فما هو الحل وكيف أبلغها أنني أريدها كزوجة؟