السؤال
أستحلفكم بالله النظر في رسالتي، والرد علي بأسرع ما يمكن، لأنه قد بلغ السيل الزبى.
هل يسمح الدين للأب بفعل ما يشاء بأولاده؟
بعد وفاة والدتي -رحمها الله- فعل أبي بنا ما يعجز اللسان عن وصفه:
قام بطردي أنا وأخي، ثم أراد طرد أخواتي البنات من المنزل، وهو يملك بيتين -والملك لله-، وقطع عنهن النفقة بالكلية، بالرغم من أنه ميسور الحال، وتكلم في عرضهن، وهن العفيفات، وأنا كدت أن أجن، ويمنعنا من صلة أرحامنا، وهو يمارس السحر، وقد هددنا بسحره عدة مرات, ورغم تدخل الأقارب عدة مرات إلا أنه مصِرّ على ما يفعل، ولم ينفع معه أي شيء.
والآن صرت أعيش بعيدا عن إخوتي، فقد فرق بيننا.
السؤال هنا: هل يجوز لي التحاكم لدى المحاكم التي لا تحكم بما أنزل الله لرفع الظلم عنا؟
علما أن والدي يعيش بإحدى الدول الأوروبية منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولا يزورنا إلا شهرا واحدا في السنة.
وكيف يحمي الشرع حقوق الأبناء؟ وهل ما نعيش فيه من هم وضيق هو بلاء أم ابتلاء؟
ولقد سألتكم لكي لا أندم على فعل يغضب رب العباد، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على حرصك على معرفة ما تحتاج إليه من أحكام شرعية، وسؤالك أهل العلم عن ذلك، وكذلك حذرك من كل فعل قد يغضب الله سبحانه، فجزاك الله خيرا، وسدد على طريق الخير خطاك، وهدى والدك صراطه المستقيم.
والأب مسئول عن أولاده، وهم أمانة عنده يسأل عنها أمام الله تعالى يوم القيامة، وسبق لنا بيان ذلك بأدلته في الفتوى رقم: 121186، وقد بينا فيها أيضا ما ينبغي أن يكون عليه في التعامل معهم، وعليه أن يسعى قدر الإمكان بما فيه صلاحهم، وما يدفع عنهم الفساد. وكما أن للآباء على الأبناء حقوقا، فكذلك للأبناء على الآباء حقوق، وقد ذكرنا طرفا من هذه الحقوق في الفتوى رقم: 190121، وإن امتنع الآباء عن القيام بها، ووقع منهم تفريط فيها، كان للأبناء رفع الأمر إلى ولي أمر المسلمين، أو من يقوم مقامه لينتزع لهم هذه الحقوق، فمجرد مقاضاة الوالدين لا تعتبر عقوقا إذا لم يكن الابن ظالما، كما بيناه في الفتوى رقم: 75076، ولكن لا يجوز التحاكم إلى القوانين الوضعية إلا لضرورة، كما هو مبين في الفتوى رقم: 67540.
والغالب في الأب الشفقة على أولاده، وحب الخير لهم، وكراهة الشر. فما ذكر بالسؤال من تعامل هذا الأب مع أولاده أمر غاية في الغرابة، ينبغي لأولاده البحث عن سببه، فإن كان بسبب بعض تصرفاتهم تجاهه -مثلًا- فليسعوا في تصحيح الخطأ وتقويم المسار، وإن كان هذا تصرفه العادي معه في حياته فلينصح من قبل بعض العقلاء والفضلاء بأن يتقي الله في نفسه وولده، ويذكر بالله -عز وجل-، وخاصة فيما يتعلق بممارسة السحر، وأنه سبيل إلى المهلكة، وكذلك الحال بالنسبة لطعنه في عرض بناته، فإنه يطعن بذلك في عرضه هو، وتراجع الفتوى رقم: 18354. ولينصح أيضا فيما يتعلق بنفقة أولاده وطرده لهم من البيت، وأن ذلك لا يليق بالأب ولو لم تجب نفقته وسكناه على من له مال منهم، أو من بلغ من الأولاد وكان قادرا على الكسب، لأن مثل هذه التصرفات قد تدفع الأولاد إلى العقوق، ونرجو مراجعة الفتوى رقم: 66857.
وننبه هنا إلى وجوب الحذر من الإساءة للأب ولو بادر بالإساءة، فمن حق الأب أن يحسن إليه ولده على كل حال، فإساءته لا تسقط عن الولد بره. وانظر الفتوى رقم: 3459.
ولا يلزم أن يكون ما حصل لهؤلاء الأولاد من والدهم بلاء بسبب ذنب جَنَوه، فقد يكون مجرد ابتلاء، من صبر عليه رفعت درجاته، وكفرت سيئاته، وراجع في فضل الصبر الفتوى رقم: 18103.
والله أعلم.