السؤال
كان لي سؤال من زمن طويل سألته إياكم ومما احتواه السؤال قول إن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث، وقد توقفتم على إنكار هذه القاعدة الفيزيائية البديهية، وقلتم إن هذه العبارة يجب أن تمحى من المناهج التدريسية للمسلمين، واحتججتم بأن العبارة تعني قدم الوجود، ثم أنكرتم تفسيرها مني بأن معناها أن لا خالق ولا فاني إلا الله، وما زلت في خاطري مستاء أن يجهل المسلمون شيئا مهما مثل هذا، فهل يعقل أن يتحرك محرك من غير طاقة؟ وهل يعقل أن تصل الطاقة إلى محرك سليم بشكل سليم ثم هو لا يتحرك؟ وهل يعقل أن يثقب الحائط مثلا من غير طاقة دافعة؟ وهل يسد الثقب نفسه بعد الثقب من غير فاعل؟ والذي يدور في خلج من ينكر هذه القاعدة هو وماذا بعد دوران المحرك؟ سيعتقدون أنه الفناء، والجواب هو أن الطاقة تسعى للتوازن يعني النتيجة، وبين الناتج والفناء فرق مثل ما بين السماء والأرض، فالناتج وجود والفناء عدم، فالشمس تسخن مياه البحار فتتبخر لتكون سحابا، ولضعف كثافة السحاب يعلو إلى مستوى من الجو يماثل كثافة البخار بضغط الهواء الموجود في الجزء السفلي لسماء الأرض المتجمع بكثافة أكبر من العلوي بسبب جاذبية الأرض، وهذه الحادثة خاضعة للقوانين التابعة للتوازن، ثم يبرد البخار المتصاعد من البحار من حرارة الشمس بالبرودة الموجودة في الجزء الأعلى من سماء الأرض، فيرجع إلى شكله المائي الثقيل فيهطل مطرا، كل هذا والشمس تستنفذ بشعاعها طاقتها لتتوزع إلى أماكن تؤثر فيها تأثيرا منتجا، وإذا أبقى الله الشمس بمشيئته حتى تنفد طاقتها مبعثرة ومؤثرة تكون حرارتها العاملة طوال عمرها في مراحل معادن، وهي نفس المعادن التي تكونت في الكرة الأرضية بمثيلها من التأثيرات الحرارية التي في الشمس، وهذا هو التوازن أي الناتج عن حرارة نجم يتوقد من زمن لا يعلمه إلا الله، أما ناتج المطر ففي مراحل وأنواع وأماكن مختلفة منها زرع تأكله الناس والأنعام، ليعود في النهاية إلى تراب، والتراب ناتج موجود لا عدم فان.
وفقكم الله ونفع بكم الإسلام والمسلمين.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس قولهم: (الطاقة لا تفنى ولا تستحدث) قاعدة فيزيائية بديهية!! فهي غير مسلمة، ولها لوازم باطلة، وقد سبق لنا الإشارة إلى ذلك، والإحالة على كتاب (الفيزياء ووجود الخالق)، وتجد فيه بيان معنى الفناء والاستحداث، بما يزيل موضع الاشتباه من أصله، فراجع الفتوى رقم: 123869، ومما قال فيه في معرض بيان معنى هذه العبارة: إذا كانت المادة لا تستحدث، أي لا تخلق ـ كما هو مصرح به في الصياغة الإنجليزية ـ فمعنى ذلك أنه لم يحدثها ـ لم يخلقها ـ أحد، أي أن الله لم يخلقها، ولكن هذا يتناقض مع إيماننا بأن {الله خالق كل شيء}، وإذا كانت لا تفنى فمعنى ذلك أن أحداً لا يستطيع إفناءها، وهذا يعني أن الله تعالى لا يقدر على إفنائها، فكيف نوفق بين هذا وبين إيماننا بأن الله على كل شيء قدير، وأنه لا يعجزه شيء؟ المسألة إذن واضحة، فإما أن تكون هذه العبارة المشهورة صحيحة فيكون الدين باطلاً، وإما أن يكون الدين صحيحاً فتكون هي باطلة، ولا يمكن الجمع بين الإيمان بصوابها وبصواب القول بأن للكون خالقاً... ولكن الذي لا شك فيه أن القول بأن المادة لا تخلق ولا تفنى قول باطل، ولا دليل عليه، والعلم الطبيعي ليس بحاجة إليه، وهو ليس من نتائجه ولا من قواعده، وإنما هي عقيدة فلسفية يونانية تزيت بزي العلم وجازت على كثير من الناس... اهـ.
ثم قال في بيان المقصود المقبول لهذه العبارة: إذا أحرقت رطلاً من مادة معينة ثم وزنت رمادها فوجدته أوقيتين فقط، فأين تكون ذهبت العشر الأوقيات؟ إن الرجل الذي لا معرفة له بالكيمياء أو الفيزياء قد يظن أن كمية المادة الموجودة في العالم نقصت بمقدار عشر أوقيات، ولكن آلاف التجارب التي نجريها تثبت أن هذا الظن غير صحيح؛ لأننا إذا جمعنا كل المواد التي تحللت إليها المادة المحترقة، ووزناها في نفس المكان الذي وزناها فيه قبل احتراقها كان الوزن رطلاً كاملاً، وإذا حللنا تلك المواد إلى أخرى واستطعنا أن نجمعها ونزنها في نفس المكان كان وزنها أيضاً رطلاً كاملاً، وهذا هو الذي دعا العلماء إلى افتراض أن كمية المادة الموجودة في العالم ثابتة، وعبارة "المادة لا تستحدث ولا تفنى" المقصود منها أن تعبر عن هذا المبدأ، ولكنها كما ترى لا تقتصر على تقريره، وإنما تقول أكثر منه بكثير، وهذه الزيادة التي تقررها العبارة لا يحتاج إليها العلم، وهي التي تخالف الدين، فهي لا تقتصر على القول بأن كمية المادة ثابتة، ولكنها تقول: إن هذا الثابت هو مادة أزلية لم تخلق ولا تفنى، والفرق بين الاثنين كبير، كما أن من الواضح أن أولاهما لا تستلزم الثانية. اهـ.
والله أعلم.