السؤال
أنا حلفت على المصحف الشريف بوضع يدي على المصحف، وقلت: ورب هذا المصحف أني لن أشرب كذا، ثم رجعت وشربت ولكن هذا الموقف تكرر معي 21 مرة، وفي كل مرة أحلف نفس اليمين، وأنا أريد أن أكفر عن كل الأيمان هذه، وربنا عالم بأنني في كل مرة أكون صادقا في يميني وأني لن أوقع اليمين.
وشكراً وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك: "ورب هذا المصحف" منكرٌ، فالمصحفُ بين دفَّتيه القرآنُ، وهو كلام الله، وكلامه صفته، فليس مخلوقا ولا مربوبا، وقد أنكر السلف على من قال: يا ربَّ القرآنِ، كما بينا بالفتوى رقم: 269167، ومثله "رب المصحف"، لمن قصد هذا المعنى.
وأما من قصد بالمصحف الصُّحُف والدفتين والورق والمداد، فهي وإن كانت مخلوقةً والمعنى صحيحاً، إلا أنه ينبغي اجتنابها لما فيها من الإيهام بأن المراد: خالق القرآن ومربوبه. كما بيناه في الفتوى رقم: 134954.
وقد شدد بعض أهل العلم على قائل هذا وإن أراد المعنى الثانيَ، فقال جلال الدين الدواني في "الحجج الباهرة في إفحام الطائفة الكافرة الفاجرة": [ومِن بِدعِ ما أحدثه رافضة هذا الزمان أنهم إذا حلفوا قالوا: "وربِّ المصحف". فإن عنوا الأوراق والحروف والجلد كان فجوراً وفحشاً، وإن عنوا نفس الكلام الدال عليه الأصوات والحروف كان كفراً]. اهـ.
وعلى كلٍّ، فمقصودك الحلف بالله تعالى، ولذا فهي يمينٌ منعقدة، وكونك صادقاً في يمينك عازماً على الوفاء، لا يخرجها عن كونها يميناً منعقدة يترتب عليها ما يترتب على اليمين، إلا أن عزمك هذا يخرجك من الإثم بالحلف، وللحالف أن يحنث لكون الحنث أفضل من استمرار عقد اليمين والمضي فيها، ويجب الوفاء باليمين على فعلِ واجبٍ أو تركِ محرمٍ، كما بيناه في الفتاوى التالية أرقامها: 53024، 135108، 258859. وأنت أعلم بحقيقةِ ما حلفت عليه.
وسبق أن أوضحنا ماذا يجب على من حلف أيماناً متعددة وحنث فيها، وقد أفتينا سابقا بإجزاء كفارة واحدة عن الحنث في الأيمان المتعددة، فتجزئ واحدة عن جميع ما قبلها، ولا تجزئ عما بعدها، وهو مذهب الحنابلة، كما هو مبين في الفتوى رقم: 240886.
وقد بينا كفارة اليمين في الفتوى رقم: 2022.
أما حكم الحلف بوضع اليد على المصحف، فقد بيناه بالفتوى رقم: 36839.
والله أعلم.