السؤال
أريد الاستفتاء عن مسألة تخص الصلاة.
لدي التهاب في اللثة مما يجعلها ضعيفة وسريعة النزف أثناء التفريش ونحو ذلك؛ حيث إنني عندما أضع منديلا أجد سائلا أصفر قليلا جدا في بعض المناطق، وهو قليل ويسير، وأما الدم الناتج عن التفريش فإنني أجتهد في إزالته ولكنه يبقى أحيانا بين السن والسن، وهو يسير، فأعجز عنه حيث إنني وبدقة أحاول إزالته برأس الفرشاة، وقد أدى ذلك إلى انعدام الفائدة أو إلى النزف مرة أخرى، فيظل هذا الدم القليل جدا بين أسناني ولا يجري، مما يضطرني أن لا أدخل رأس الفرشاة خوفا من النزف مرة أخرى، وأتمضمض كثيرا ولكن بلا فائدة.
وفي كلتا الحالتين: وجود السائل ووجود الدم الذي لا يجري كلاهما لا يتغير الريق بهما، ولا يتغير طعمه، حتى إنني إذا مررت لساني لا أشعر بطعم السائل الأصفر، أما الدم فلا يصل لساني له حيث إنه في مكان ضيق ودقيق.
وبناء على هذا كله فإنني لا أبتلع لعابي في الصلاة مما يسبب لي الإحراج، وبعد كل تفريش أخشى أن أفرش جيدا وأجتهد فأنزف، فبالتالي يجب أن لا أبتلع ريقي، وحتى مجه لا ينفع بشيء فليس متغير اللون أو الطعم فما الفائدة من مجه؟!
ومن قول ابن تيميه أن الماء لا يتنجس إلا بالتغير فهل يجوز لي الأخذ بالحكم للريق أيضا؟ بأنه ومع وجود الدم اليسير بين الأسنان ما دام لم يتغير بالدم فهو يعد طاهرا لم يتنجس يجوز لي بلعه؟! فبالتالي هو طاهر، وقد جرى ب (دم لا يجري من بين الاسنان) هل هو كما الحال مع الريق الطاهر المختلط ببقايا الطعام بين الأسنان مما يجري به الريق، ويجوز بلعه أثناء الصلاة؟
شكر الله سعيكم، وأعاننا وإياكم على طاعته، وشفانا وجميع المصابين من داء الوسوسة، جزاكم الله خيرا، وأعتذر عن دقة السؤال فربما سبب لكم الحرج، جعله الله في موازين حسناتكم، وخفف عنكم في الدنيا والآخرة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يشفيك وجميع المسلمين من داء الوسوسة، إنه سميع مجيب
وههنا مسائل:
الأولى: يظهر أنك مصابة بشيء من الوساوس؛ فننصحك بطرحها جانبا، والإعراض عنها بالكلية، فلا علاج لها أنجع من ذلك وانظري الفتوى رقم: 51601.
الثانية: سؤالك اشتمل على أمرين:
1- أن ريقك لا يتغير ببقايا الدم العالقة بين أسنانك.
2- أنك تبالغين في الاحتراز من الدم وتجتهدين في إزالته بالمضمضة وما شابه.
فإذا كان الأمر هكذا، فإنه لا يضرك بلع الريق في الصلاة، إذ الريق هنا إما طاهر حيث لم يخالطه الدم كما تقولين، أو أنه خالطه بعد تعذر تطهيره، وحصول المشقة في ذلك بسبب الإلتهاب الذى باللثة، وحينئذ يعفي عنه رفعا للحرج، قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}، ومعلوم أن من القواعد الكلية الكبرى التى أسس عليها الفقه الإسلامي قاعدة المشقة تجلب التيسير.
قال في المراقي:
قد أسس الفقه على رفع الضرر * وأن ما يشق يجلب الوطر .. الخ . اهـ
ونذكر هنا ـ استطرادا وتوسعة على السائلة ـ أن بعض العلماء ذكر أن غسل الفم بعد الدم لأجل الصلاة مستحب فقط، وتصح الصلاة بدونه، جاء في مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: ويستحب غسله للصلاة والأكل وإن لم يفعل فلا شيء عليه قاله ابن قداح، وهو يجري على التطهير بالمائع غير الماء، والمشهور عدم الإجزاء به في الصلاة ولا يضر بالنسبة إلى الأكل لأن عين النجاسة زالت. اهـ
فهذا القول رغم أنه مرجوح لكن للموسوس العمل به حتى يزول عنه الوسواس كما تقدم في الفتوى رقم: 181305.
الثالثة: قياس الريق على الماء غير صحيح؛ لأن "اشتراط التغير" ـ عند من قال به، وهم المالكية وشيخ الإسلام ابن تيمية ـ خاص بالماء المطلق، ولا يشمل بقية المائعات، بل إن الماء نفسه إذا أضيف إلى شيء كاللبن مثلا وحلت فيه النجاسة بعد إضافته يصير نجسا ولو لم تغيره، بخلاف ما لو حلت فيه قبل إضافته، ثم أضيف إلى طاهر كاللبن أو غيره فلا ينجس عندهم، ولهذا يلغز فقهاء المالكية فيقولون:
قل للفقيه إمام العصر قد مزجت ثلاثة بإناء واحد نسبـــــــــوا
لها الطهارة حيث البعض قدّم أو إن قدم البعض فالتنجيس ما السبب . اهـ
وقد علمت ـ بما تقدم ـ أنك في غنى عن هذا القياس.
وانظري ـ للفائدة ـ الفتوى رقم: 201430، والفتوى رقم: 258715.
والله أعلم.