السؤال
إذا كانت الأم عندما تغضب تدعو على نفسها بالموت وعلى ابنها بالموت أو بالسوء، سواء كان صغيرا أم كبيرا، وهي أشياء لا تستحق أن تغضب منها، ولديها ابن عمره 17 سنة، وهو شديد الغضب، وعندما يراها هكذا يشتمها ولكن من غير أن تسمعه، وهو لا يستطيع أن يتمالك نفسه عندما يراها تعامل أولادها بهذه الطريقة، فما حكمه الشرعي؟ وبماذا تنصحونه أن يفعل؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للأم أن تفعل ذلك، ونرجو ألا يستجاب دعاؤها، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 125123، وتوابعها.
وينبغي أن تُنبه على ذلك بأسلوب لطيف في وقت تكون فيه راضية، ويمكن أن تقرأ معها: شرح حديث: لا تغضب من جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب -رحمه الله-، أو تلخص لها أهم فوائده.
وأما السب سرًّا: فمنكر، بل نص الفقهاء على تحريم تحديث النفس بمساوئ الغير؛ قال الغزالي في الإحياء: اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول، فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك، ولست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه، بل الشك أيضا معفو عنه، ولكن المنهي عنه أن يظن، والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب. انتهى.
وقال النووي في الأذكار: اعلم أن سوء الظنّ حرام مثل القول، فكما يحرم أن تحدّث غيرك بمساوئ إنسان، يحرم أن تحدّث نفسك بذلك وتسيئ الظنّ به، قال الله تعالى: (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) [الحجرات: 12] .
وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكْذِبُ الحَدِيثِ" والأحاديثُ بمعنى ما ذكرته كثيرة، والمراد بذلك" عقد القلب وحكمُهُ على غيرك بالسوء، فأما الخواطر، وحديث النفس، إذا لم يستقرَّ ويستمرّ عليه صاحبُه فمعفوٌ عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيارَ له في وقوعه، ولا طريقَ له إلى الانفكاك عنه. وهذا هو المراد بما ثبتَ في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكَلَّم بِهِ أوْ تَعْمَلْ". قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقرّ. قالوا: وسواءٌ كان ذلك الخاطِرُ غِيبة أو كفرًا أو غيرَه، فمن خطرَ له الكفرُ مجرّد خَطَرٍ من غير تعمّدٍ لتحصيله، ثم صَرفه في الحال، فليس بكافر، ولا شيء عليه. انتهى.
فإذا كان تحديث النفس بمساوئ الغير قصدًا حرامًا؛ فالسب يشمل ذلك، ويزيد عليه وعموم أدلة تحريم السب لم تفرق بين السر والعلن؛ كما بينا بالفتوى رقم: 253918.
ومن ذلك: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ. رواه البخاري ومسلم. وقوله أيضًا -صلى الله عليه وسلم-: ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء. رواه الترمذي، وابن حبان، والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
والأم حقها عظيم، ولا تستوجب من الابن ذلك، بل أمر الله ببر الوالدين، ولو كانا يجاهدان ولدهما على الشرك، وانظر الفتوى رقم: 272875، وتوابعها.
والذي ننصحه به: أن يحذر من إغضاب أمّه، وأن يحرص على برّها وطاعتها في المعروف، فإنّ حقّ الأمّ عظيم، فإذا تاب من سبها، ومما قصر فيه من حقها، وقام بما يجب عليه نحوها من البرّ والإحسان فليبشر خيرًا، وليحسن الظن بالله فإنه عفو غفور، قال تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا { الإسراء:25}.
قال القرطبي: "وقال ابن جبير: يريد البادرة التي تبدر، كالفلتة والزلة تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: ( إن تكونوا صالحين ) أي: صادقين في نية البر بالوالدين؛ فإن الله يغفر البادرة، وقوله: ( فإنه كان للأوابين غفورا ) وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة". انتهى.
والله أعلم.