السؤال
أنا طالبة علم، كنت أبحث عن تفسير آية الكرسي، وبعدما وجدته اكتشفت أن لدي اعتقادات خاطئة في بعض صفات الله تعالى، ولكن كان الشرح صعب الفهم، وأنا أريد أن يشرحه لي أحد شرحا مبسطا؛ لكي أفهم، ولا أقع في المحظور من الاعتقادات. مع العلم أن حصيلتي اللغوية بسيطة؛ فأحيانا لا أفهم بعض المصطلحات.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا نقل خلاصة كلام الحافظ ابن كثير في تفسير آية الكرسي، وذلك في الفتوى رقم: 62487. كما سبق لنا بيان معنى الأسماء الحسنى الواردة في هذه الآية العظيمة، وذلك في الفتوى رقم: 126231.
ومن التفاسير السهلة المفيدة: تفسير العلامة السعدي، وقد قال في تفسير هذه الآية: أخبر تعالى عن نفسه الكريمة بأن {لا إله إلا هو} أي: لا معبود بحق سواه، فهو الإله الحق الذي تتعين أن تكون جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له تعالى؛ لكماله، وكمال صفاته، وعظيم نعمه، ولكون العبد مستحقا أن يكون عبدا لربه، ممتثلا أوامره، مجتنبا نواهيه، وكل ما سوى الله تعالى باطل، فعبادة ما سواه باطلة؛ لكون ما سوى الله مخلوقا ناقصا مدبرا فقيرا من جميع الوجوه، فلم يستحق شيئا من أنواع العبادة. وقوله: {الحي القيوم} هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنا ولزوما، فالحي: من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات، كالسمع، والبصر، والعلم، والقدرة، ونحو ذلك، والقيوم: هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء، والنزول، والكلام، والقول، والخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، وسائر أنواع التدبير، كل ذلك داخل في قيومية الباري، ولهذا قال بعض المحققين: إنهما الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى، ومن تمام حياته وقيوميته أن {لا تأخذه سنة ولا نوم} والسنة: النعاس {له ما في السماوات وما في الأرض} أي: هو المالك وما سواه مملوك، وهو الخالق الرازق المدبر وغيره مخلوق مرزوق مدبر لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، فلهذا قال: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} أي: لا أحد يشفع عنده بدون إذنه، فالشفاعة كلها لله تعالى، ولكنه تعالى إذا أراد أن يرحم من يشاء من عباده أذن لمن أراد أن يكرمه من عباده أن يشفع فيه، لا يبتدئ الشافع قبل الإذن، ثم قال {يعلم ما بين أيديهم} أي: ما مضى من جميع الأمور {وما خلفهم} أي: ما يستقبل منها؛ فعلمه تعالى محيط بتفاصيل الأمور، متقدمها ومتأخرها، بالظواهر والبواطن، بالغيب والشهادة، والعباد ليس لهم من الأمر شيء، ولا من العلم مثقال ذرة إلا ما علمهم تعالى، ولهذا قال: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض} وهذا يدل على كمال عظمته، وسعة سلطانه، إذا كان هذه حالة الكرسي أنه يسع السماوات والأرض على عظمتهما وعظمة من فيهما، والكرسي ليس أكبر مخلوقات الله تعالى، بل هنا ما هو أعظم منه وهو العرش، وما لا يعلمه إلا هو، وفي عظمة هذه المخلوقات تحير الأفكار، وتكل الأبصار، وتقلقل الجبال، وتكع ـ أي تهاب وتضعف ـ عنها فحول الرجال، فكيف بعظمة خالقها ومبدعها، والذي أودع فيها من الحكم والأسرار ما أودع، والذي قد أمسك السماوات والأرض أن تزولا من غير تعب ولا نصب، فلهذا قال: {ولا يؤوده} أي: يثقله {حفظهما وهو العلي} بذاته فوق عرشه، العلي بقهره لجميع المخلوقات، العلي بقدره لكمال صفاته {العظيم} الذي تتضاءل عند عظمته جبروت الجبابرة، وتصغر في جانب جلاله أنوف الملوك القاهرة، فسبحان من له العظمة العظيمة، والكبرياء الجسيمة، والقهر والغلبة لكل شيء، فقد اشتملت هذه الآية على توحيد الإلهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وعلى إحاطة ملكه، وإحاطة علمه، وسعة سلطانه وجلاله ومجده، وعظمته وكبريائه، وعلوه على جميع مخلوقاته، فهذه الآية بمفردها عقيدة في أسماء الله وصفاته، متضمنة لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلا. اهـ.
والله أعلم.