الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فسنجمل الإجابة عن هذا السؤال في النقاط التالية، فنقول:
1ـ لا شك أن الخشوع هو روح الصلاة، ولُبَّها، وهو سبب فلاح العبد، وفوزه في الدنيا والآخرة، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {المؤمنون:1ـ2}.
فينبغي للمرء السعي في تحصيله، ومجاهدة النفس من أجل ذلك.
ورغم أهمية الخشوع في الصلاة، فإن جمهور العلماء على أنه ليس شرطًا لصحتها، فلا تبطل لعدم وجوده فيها، ونعني بهذا أنه لا يطالب في الدنيا بإعادة الصلاة التي فقد فيها الخشوع، لكن ثوابها ينقص، وقد يذهب بالكلية، وقد أوضحنا معنى الخشوع في الصلاة، وما يترتب على عدم حصوله في الفتويين رقم: 4215، ورقم: 136409.
وبينا بعض الوسائل المعينة على تحصيله في فتاوى كثيرة, انظر منها الفتاوى التالية أرقامها: 141043، 138547، 124712.
فينبغي الأخذ بتلك الوسائل، ومجاهدة النفس على ذلك، فإن الخشوع من أصعب الأمور على العبد، لكنه يكتسب بالتدرج، وطول الصبر، وقد حكي عن أحد السلف قوله: جاهدت نفسي على الخشوع عشرين سنة، ثم وجدت حلاوة ذلك عشرين سنة.
ولتدع عنك الشكوك في صحة صلاتك حتى لا تتحول إلى وساوس توقعك في الحرج والمشقة.
2ـ المطلوب أن يتدبر الشخص، ويتفكر في جميع ما يقرأ من القرآن، ولا مانع من أن يتفاوت خشوعه، وتأثره بحسب ما يرد في بعض الآيات من وعد ووعيد.
3ـ قد يتفاوت أيضًا خشوع المرء، وحسن تدبره؛ بحسب قراءة من يستمع لقراءته، يقول ابن باز -رحمه الله-: والإنسان قد يخشع خلف إمام، ولا يخشع خلف إمام؛ بسبب الفرق بين القراءتين والصلاتين. انتهى.
وهذا أمر مشاهد، ومعلوم، لكن لا ينبغي أن يكون صوت المرء، أو حسن قراءته هو الأساس في خشوع، وتدبر المستمع، بل ينبغي للمأموم أن يتدبر ما يقرأ إمامه، بغض النظر عن حسن صوته، أو عدم حسنه، وبذلك ـ إن شاء الله ـ سيحضر قلبه في الصلاة، ويحصل له من الخشوع بحسب ذلك.
أما ما نسبته لبعض أهل العلم من قوله: "إذا خشع القلب، خشعت سائر أركان البدن، وإذا خشع سائر أركان بدنك، ولم يخشع قلبك، فهي صلاة المنافقين"، فإن جزءًا منه قد ورد معناه من كلام ابن المسيب، ونصه: إن خشع قلب هذا خشعت جوارحه. وانظر الفتوى رقم: 72817.
أما بقيته: فلعلها مأخوذة من قول الله تعالى في شأن المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا {النساء:142}، أي أنهم لا يقبلون على الله بقلوبهم في الصلاة، بل يؤدونها بتثاقل، وبحركات خالية من الروح؛ لكي يرى الناس أنهم قد صلوا، قال ابن العربي المالكي: قوله تعالى: ولا يذكرون الله إلا قليلًا ـ وروى الأئمة مالك، وغيره، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس, وكانت بين قرني الشيطان, أو على قرني الشيطان, قام ينقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا ـ فذمها صلى الله عليه وسلم بقلة ذكر الله سبحانه فيها؛ لأنه يراها أثقل عليه من الجبل, فيطلب الخلاص منها بظاهر من القول والعمل. اهـ.
ومن ثم، كانت صلاة من لا يخشع فيها شبيهة بصلاة المنافقين من حيث كونها حركات لا روح فيها، ولا خشوع، ولا أجر، لكن هذا لا يصدق على من يحاول الخشوع، ويجاهد نفسه لأجله، ثم يعجز عنه في بعض المرات، وتطرأ عليه خواطر تشغله، ثم يعاود المجاهدة.
والله أعلم.