السؤال
قال الله تعالى: {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ...} الحديد.
السؤال: الآية عن المنافقين والكفار، هل معنى هذا أنه تُؤخذ فدية مِن غير المنافقين والكفار؟ أي: من مسلم، أو مؤمن يوم القيامة؛ لأنه يوجد قول الرسول: إذا كان يوم القيامة دفع الله -عز وجل- إلى كل مسلم يهوديًّا أو نصرانيًّا، فيقول: هذا فكاكك من النار. وقال النبي: إذا كان يوم القيامة بعث إلى كل مؤمن بملك معه كافر، فيقول الملك للمؤمن: يا مؤمن، هاك هذا الكافر، فهذا فداؤك من النار.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية تحدثت عن المنافقين والكفار كما يفيده قوله: لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا {الحديد:15}، ومثلها قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {المائدة:36}.
وفي التحرير والتنوير: فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير: يجوز أن يكون هذا الكلام من تتمة خطاب المؤمنين للمنافقين استمرارًا في التوبيخ والتنديم. وهذا ما جرى عليه المفسرون، فموقع فاء التفريع بين، والعلم للمؤمنين بأن لا تؤخذ فدية من المنافقين والذين كفروا حاصل مما يسمعون في ذلك اليوم من الأقضية الإلهية بين الخلق؛ بحيث صار معلومًا لأهل المحشر، أو هو علم متقرر في نفوسهم مما علموه في الدنيا من أخبار القرآن وكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك موجب عطف: ولا من الذين كفروا، تعبيرًا عما علموه بأسره، وهو عطف معترض جرته المناسبة. ويجوز أن يكون كلامًا صادرًا من جانب الله تعالى للمنافقين تأييسًا لهم من الطمع في نوال حظ من نور المؤمنين، فيكون الفاء من عطف التلقين عاطفة كلام أحد على كلام غيره لأجل اتحاد مكان المخاطبة على نحو قوله تعالى: قال ومن ذريتي. اهـ.
وأما ما في صحيح مسلم عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنْ النَّارِ. اهـ.
فقد قال النووي في شرح مسلم: ومعنى هذا الحديث: ما جاء في حديث أبى هريرة: أن لكل أحد منزلًا في الجنة ومنزلًا في النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار؛ لاستحقاقه ذلك بكفره.
ومعنى فَكاكك من النار: أنك كنت معرضًا لدخول النار، وهذا فكاكك؛ لأن الله تعالى قدر لها عددًا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بكفرهم وذنوبهم صاروا في معنى الفكاك للمسلمين. اهـ.
وقال الحافظ في الفتح: يحتمل أن يكون الفداء مجازًا عما يدل عليه حديث أبي هريرة في صفة الجنة والنار بلفظ: لا يدخل الجنة أحد إلا أري مقعده من النار لو أساء؛ ليزداد شكرا، ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن؛ ليكون عليه حسرة. وفيه مقابلة ليكون عليه حسرة؛ فيكون المراد بالفداء إنزال المؤمن في مقعد الكافر من الجنة الذي كان أعد له، وإنزال الكافر في مقعد المؤمن الذي كان أعد له، وقد يلاحظ في ذلك قوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الزخرف:72}. اهـ.
وقد ثبت في السنة الترغيب في بعض الأعمال التي يقي الله بها العبد المسلم من النار، ومنها: عتق الرقاب؛ فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا من أعضائه من النار، حتى فرجه بفرجه. وفي الترمذي عن أبي أمامة، وغيره من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: أيما امرئ مسلم أعتق امرأً مسلمًا، كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضوًا منه ، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة، كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوًا منها.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: وفي هذا الحديث بيان فضل العتق، وأنه من أفضل الأعمال، ومما يحصل به العتق من النار ودخول الجنة، وفيه استحباب عتق كامل الأعضاء، فلا يكون خصيًّا، ولا فاقد غيره من الأعضاء، وفي الخصي وغيره أيضًا الفضل العظيم، لكن الكامل أولى، وأفضله أعلاه ثمنًا وأنفسه. انتهى.
وراجع للمزيد في الأعمال المنجية من النار الفتويين: 65215، 107812.
والله أعلم.