السؤال
وقع صديقي في الزنا مع أخته في سن المراهقة ـ 16 سنة ـ وترك الذنب وهو في سن 17، وعمره الآن 25، ولم يكن يعرف أن عقوبة الذنب القتل، ولا يعرف الجلد، ولا يعرف أن ربنا مطلع عليه، وكان يعرف حرمة ذلك فقط، فهل فعل ذلك لأن نفسيته كانت غير سوية؟ مع أنها لم تفقد بكارتها، فقد مس رأس الذكر الفرج دون إدخال أو إنزال، ولم يأتها من الدبر، وهل هذا زنا يوجب حد القتل؟ وهل يجوز أن يسافر إلى السعودية ويعترف ليقام عليه الحد ـ 100 جلدة ـ إذا كان الزنا لا يوجب القتل، ليكفر عن ذنبه؛ لأنه يشعر بقسوة القلب، ولا يشعر بالندم، أو الخوف من فعلته، ويأخذ بقصة المرأة التي غفر الله لها بسبب كلب، دون أن تندم، أو تتوب، ويتصدق على الفقراء، وقد ترك الذنب، ولا يستطيع أن يندم، وإنما يدعو ويصلي جميع الفرائض، ويحفظ القرآن، لكنه لا يستطع أن يشعر بالندم على ما فات.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالزنا الذي يوجب الحدّ هو إيلاج الفرج في الفرج، وما سوى ذلك من الاستمتاع المحرم، فليس فيه حد، ولكن فيه التعزير، ولا ريب في شناعة الاستمتاع بالمحارم، سواء كان بالزنا أم بما دونه، ولا يسوغه الجهل، وعدم العلم بتفاصيل ما يترتب عليه، ولا الانحراف الفطري، لكن مهما عظم الذنب، فإن العبد إذا تاب، تاب الله عليه، فالواجب على هذا الرجل أن يستر على نفسه، ولا يخبر بذنبه أحدًا، ولا يلزمه رفع الأمر للقاضي ليقيم عليه الحدّ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.
قال ابن عبد البر: وفيه أيضًا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة.
ولا حاجة له للبحث في أسباب وقوعه في هذا الذنب، وإنما الواجب عليه أن يبادر بالتوبة الصحيحة التي تمحو الذنب، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، وركن التوبة الأعظم هو الندم، والباعث عليه أن ينظر العبد إلى عظم جنايته؛ تعظيمًا لحقّ الله تعالى، وتصديقًا بالجزاء في الآخرة، قال ابن القيم -رحمه الله-:.. فَأَمَّا تَعْظِيمُ الْجِنَايَةِ: فَإِنَّهُ إِذَا اسْتَهَانَ بِهَا لَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهَا، وَعَلَى قَدْرِ تَعْظِيمِهَا يَكُونُ نَدَمُهُ عَلَى ارْتِكَابِهَا، فَإِنَّ مَنِ اسْتَهَانَ بِإِضَاعَةِ فِلْسٍ ـ مَثَلًا ـ لَمْ يَنْدَمْ عَلَى إِضَاعَتِهِ، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ دِينَارٌ اشْتَدَّ نَدَمُهُ، وَعَظُمَتْ إِضَاعَتُهُ عِنْدَهُ، وَتَعْظِيمُ الْجِنَايَةِ يَصْدُرُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَعْظِيمُ الْأَمْرِ، وَتَعْظِيمُ الْآمِرِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَزَاءِ.
وانظر الفتوى رقم: 168081.
والله أعلم.