السؤال
أنا شاب عندي مرض نفسي، أظن السبب أني كنت أمارس العادة السرية، ثم تبت، وكنت أحتلم كثيرا، وكانت رغبتي في الزواج شديدة. لكن لم أكن جادا في المسألة، وحفظت كثيرا من كتاب الله، لكن لم أستقم طويلا، ودخلت في جامعة إسلامية، وحصل زواج غير ناجح بدون علم أبي، بعد ما أمرني بطلاقها، ثم عدت إلى المعاصي.
وفي إحدى الليالي صرت مريضا جدا، ووضعوني في الإسعاف. أما الآن فأريد المواظبة على الطاعة، مع أني أنسى كثيرا، والدواء تسبب لي في التعب، فلا أستطيع أن أحفظ ولا حتى أن أعمل، وإنما يهمني أن أصلي الصلوات الخمس، والجمعة في وقتها؛ لأني حججت، واعتمرت.
فهل التوبة بعد المرض، تكون مثل الذي قال إنه تائب؛ لأنه حصل له مرض يسبب الموت مثل السرطان. هل ما زالت تقبل توبته؟
وماذا أفعل في الحالات التي أشعر فيها بالتعب الشديد، وأريد النوم وأنا في الصلاة بسبب الدواء؛ لأن ترك الدواء يذهب العقل؟
كذلك في الصيف يكون من الصعب أن أدرك الفجر بدون ترك النوم، وهذا يسبب تكرار النوبة -لا قدر الله- وأبي دائما ينصحني بالنوم.
حالتي أني لا أستطيع أن أركز، وأواظب على أي عمل صالح، وإنما أقوم بها بطريق غير منظم. أقرأ القرآن يوما، وأصلي الضحى يوما، وأقرأ أذكار الصباح يوما، وهذا بجنب المعاصي التي فعلت عن علم تقلقني كثيرا.
كذلك أعرف أخا لي لا يصلي، ولم يتعلم الدين، لكن مع ذلك ما عصى الله ورسوله كما فعلت، وقريبي قال إنه لن يصلي عليه إذا مات، وأنا أريد كل أسرتي أن يكونوا في الجنة، فلا أرفض دعوته كما رفض، وإنما أعاني من قلة الاهتمام، أو بسبب المرض النفسي.
أرجو أن أجد ما يشفي صدري عندكم.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن التوبة الصادقة تقبل من المريض إذا وقعت قبل بلوغ الروح الحلقوم، ولو كان ذلك في المرض المخوف، أو في حال الاحتضار؛ ومما يدل لذلك قبول إسلام المريض فيما رواه البخاري وغيره عن أنس قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه، فقال: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار. وثبت في الصحيحين أنه عرض على عمه الإسلام في مرضه الذي مات فيه.
وروى أحمد والترمذي وغيرهما عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. قال الترمذي: حديث حسن غريب. ومعنى الغرغرة بلوغ الروح الحلقوم، والوصول إلى حد لا تتصور بعده الحياة.
قال ابن علان: (إن الله عز) جده (وجلّ) شأنه (يقبل توبة العبد) أي: المذنب المكلف ذكراً، أو أنثى كرماً منه، وفضلاً كما سبق (ما لم يغرغر) أي: تصل روحه حلقومه من الغرغرة: وهي جعل الشراب في الفم، ثم يديره إلى أصل حلقومه، فلا يبلعه، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} (النساء: 18) وفسر ابن عباس حضوره بمعاينة ملك الموت، وقال غيره: مراده تيقن الموت لا خصوص رؤية ملكه.... وقال في «فتح الإله» بعد كلام قدمه: والحاصل أنه متى فرض الوصول لحالة لا تمكن الحياة بعدها عادة، لا تصح منه حينئذٍ توبة ولا غيرها، وهذا مراد الحديث بيغرغر، ومتى لم يصل لذلك صحت منه التوبة وغيرها. انتهى.
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي: المريض ولو في مرض الموت، تصح منه التوبة ما لم تصل الروح إلى الحلقوم؛ ولهذا ذكر العلماء أن المريض إذا حضره الموت يذكر بالتوبة، ويذكر بالشهادة، فإنها تنفعه. انتهى.
وأما عن قضية الصلاة والنوم عنها، وما ذكرت من أمر قريبك فنرجو إعادة إرساله بشكل مستقل؛ لأن المقرر عندنا الإجابة عن سؤال واحد من الأسئلة المتعددة، كما هو منبه عليه في صفحة إدخال السؤال.
والله أعلم.