السؤال
تقول بعض الروايات إنه عندما أخبر الله الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة ـ كما ذكر سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ـ أن الملائكة افترضت أن هذا الخليفة سيفسد في الأرض ويسفك الدماء من خلال حياة أخرى سبقت الإنسان على الأرض، وتقول الرويات إن الجن والشياطين سكنوا الأرض وأفسدوا فيها، فبعث الله إليهم إبليس وجيشه فنفاهم إلى جزر البحار، لكنني استمعت إلى درس للشيخ محمد حسان
قال إن هذه الروايات من الإسرائيليات، فهل هذا صحيح؟ أم أن هناك روايات أخرى تفسر سبب علم الملائكة بأن الخليفة سيفسد في الأرض؟
وهل إبليس كان من الملائكة أم هو من الجن؟ وهل جاءه الأمر بالسجود منفردا؟ أم جاءه الأمر جمعا مع الملائكة، في قوله تعالى: فسجدوا إلا إبليس؟ وهنا استثناء في الآية؟ فلماذا استثني إبليس من الملائكة وهو من الجن؟ وهل إبليس قبل أن يأتيه أمر السجود من المولى عز وجل كان من المقربين إلى الله تعالى؟ ولماذا لا يمكن أن يتوب إبليس إن كان يؤمن بالله ويخافه، كما قال تعالى: إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف في سبب علم الملائكة بإفساد بني آدم، فقد ذكر المفسرون في ذلك أوجها منها:
الوجه الأول: أن الملائكة قالت ذلك بعد إعلام الله تعالى لهم بطبيعة ذرية آدم عليه السلام، وأنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء, وهذا مروي عن ابن عباس وابن مسعود وقتادة وابن جريج وابن زيد وغيرهم، كما نقل ذلك القرطبي وابن كثير، فعن ابن عباس وابن مسعود أن الله تعالى قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: ربنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا، وقال قتادة: كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فلذلك قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها.
الوجه الثاني: أنهم لما سمعوا لفظ: خليفة ـ فهموا أن في بني آدم من يفسد، إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد والفصل بين الناس فيما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن المحارم والمآثم.
الوجه الثالث: ما نقله القرطبي ـ رحمه الله ـ وغيره: أن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق الله آدم فأسكنه إياها، وهذا مروي عن ابن عباس وأبي العالية.
وأما عن كون هذا من الإسرائيليات: فهو صحيح، لكنه لا حرج في روايتها من دون تصديق ولا تكذيب ما دامت لا تخالف نصا من نصوص الوحيين، فقد نص ابن كثير في التفسير على إسرائيلية عدة مسائل مما نقل في قصة آدم عليه السلام.
وقال الدكتور حكمت بشير في كتابه: الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور ـ قوله تعالى: قالوا أتجعل من يفسد فيها ويسفك الدماء ـ قال الحاكم: أخبرني عبد الله بن موسى الصيدلاني، ثنا إسماعيل بن قتيبة، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: لقد أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يدخلها أحد، قال الله تعالى: إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ـ وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان، فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء، فلما قال الله: إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ـ يعنون الجن بني الجان، فلما أفسدوا في الأرض بعث عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور، قال: فقال الملائكة: أتجعل فيها من يفسد فيها ـ كما فعل أولئك الجن بنو الجان، قال: فقال الله: إني أعلم ما لا تعلمون ـ وصححه ووافقه الذهبي ـ المستدرك 2ـ 261 ـ وقد يكون هذا الخبر من أهل الكتاب، ولكنه من الأخبار التي لا تخالف نصا من الكتاب والسنة. اهـ.
هذا عن جواب سؤالك الأول، ونرحب ببقية أسئلتك الثاني في رسالة أخرى، التزاما بنظام الموقع من أن على السائل الاكتفاء بكتابة سؤال واحد فقط، وأن السؤال المتضمن عدة أسئلة، يجاب السائل على الأول منها فحسب.
والله أعلم.