السؤال
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً)
كيف خرجوا من الإيمان للكفر، وكرروا ذلك دون قتل؟ هل استتيبوا قبل ثلاثا، أم نزلت الآية قبل حكم الردة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الآية لا يعنى بها المرتدون، بل يعنى بها كفار أهل الكتاب، على الأصح عند المحققين.
فقد قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قول من قال: عنى بذلك أهل الكتاب، الذين أقروا بحكم التوراة، ثم كذبوا بخلافهم إياه، ثم أقر من أقر منهم بعيسى، والإنجيل، ثم كذب به، بخلافه إياه، ثم كذب بمحمد صلى الله عليه وسلم، والفرقان؛ فازداد بتكذيبه به، كفراً على كفره. اهـ.
وفي تفسير القرطبي: قال قتادة، وعطاء الخراساني، والحسن: نزلت في اليهود، كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرًا بمحمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن. وقال أبو العالية: نزلت في اليهود، والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بنعته وصفته "ثم ازدادوا كفرا" بإقامتهم على كفرهم. وقيل: "ازدادوا كفرا" بالذنوب التي اكتسبوها. وهذا اختيار الطبري، وهي عنده في اليهود. اهـ.
وفي البحر المحيط في التفسير لأبي حيان: إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون. نزلت في اليهود، كفروا بعيسى، وبالإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، بعد إيمانهم بنعته، قاله قتادة، والحسن. وقيل: في اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته، وإقرارهم أنها في التوراة، ثم ازدادوا كفرًا بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلى الله عليه وسلم، من الافتراء، والبهت، والسعي على الإسلام. قاله أبو العالية. أو: معنى ثم ازدادوا كفرا: تموا على كفرهم، وبلغوا الموت به، فيدخل فيه اليهود، والمرتدون، قاله مجاهد، وقال نحوه السدي. وقيل: نزلت فيمن مات على الكفر من أصحاب الحارث بن سويد، فإنهم قالوا: نقيم ببكة، ونتربص بمحمد صلى الله عليه وسلم، ريب المنون، قاله الكلبي ... اهـ.
ومن تكررت ردته، لم يؤثر ذلك على توبته في الباطن، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 51043
وأما في الظاهر، فاختلف في قبول توبته، وانظر الفتوى رقم: 54989
والله أعلم.