الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم أخذ مال من الأم والأخوات مقابل توصيلهن وإدارة شؤونهن

السؤال

توفي والدي وينزل مرتبه شهريا لأمي وأخواتي، وأقوم باستلام هذا المال وأدير شؤونهن به، علما بأنني فقير وليس لي مصدر دخل، ولدي سؤالان:
الأول: هل يجوز لي أن آخذ من هذا المال شيئا؟.
الثاني: هل يجوز أن آخذ أجرة لسيارتي مقابل نقلهن أو قضاء حوائجهن؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإذا كان ذلك المال منحة من الدولة أو جهة العمل لزوجة المتوفى وبناته أو أبنائه القصر، وليس مستحقات مالية له عليها، فإن المال يكون لهم، ولا يجوز لغيرهم أن يأخذ منه شيئا، ولو كان ابنا للمتوفى مادام غير داخل فيمن عينتهم الجهة المانحة، وأما إن كان من مستحقات للميت على جهة العمل كأن يكون في الأصل مستقطعات مالية كانت تستقطع من راتبه، فإن ذلك المال حق لجميع الورثة، ويُقسم بينهم القسمة الشرعية.

وإن كنت تعني أنك تريد أن تأخذ أجرة على إدارة أموالهن، فإن كان أخواتك بالغات رشيدات، فلا حرج عليك في الاتفاق معهن على أخذ أجرة نظير عملك، وإن كن صغيرات دون سن الرشد، فإنه ليس لك الحق في التصرف في أموالهن وإدارتها، ويتولى هذا الوصي عليهن إلا أن تكون أنت الوصي، فإنه لا بأس حينئذ أن تأكل من مالهم بالمعروف بقدر ما تبذله لهم من الأتعاب كأجرة لعملك، وذلك بشرط أن تكون محتاجاً، لقول الله تعالى في أموال اليتامى: وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:6}.

جاء في الموسوعة الفقهية: أَمَّا أَكْل الْوَلِيِّ مِنْ مَال مُوَلِّيهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ إِذَا عَمِل أُجْرَةَ مِثْل عَمَلِهِ إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا اسْتِحْسَانًا، وَإِلاَّ فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ، وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُل مِنْهُ إِذَا كَانَ غَنِيًّا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ـ 2، أَمَّا إِذَا كَانَ فَقِيرًا فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ كِفَايَتِهِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ ـ3، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَسْتَحِقُّ الْوَلِيُّ فِي مَال مَحْجُورِهِ نَفَقَةً وَلاَ أُجْرَةً فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَشُغِل بِسَبَبِهِ عَنِ الاِكْتِسَابِ أَخَذَ أَقَل الأْمْرَيْنِ مِنَ الأْجْرَةِ وَالنَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ ـ وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لِلْوَلِيِّ غَيْرِ الْحَاكِمِ وَأَمِينِهِ الأْكْل لِحَاجَةٍ مِنْ مَال مُوَلِّيهِ: الأْقَل مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ كِفَايَتُهُ، أَمَّا مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ، فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ إِذَا فَرَضَ الْحَاكِمُ لَهُ شَيْئًا... اهــ.
ولا حرج في أخذ أجرة توصيل أخواتك من مالهن بشرط رضاهن وعلمهن بمقدار الأجرة، وننصحك بأن تكون عونا لأخواتك بعد وفاة أبيكم، وأن لا تكون عبئا عليهن بإرهاقهن بأخذ الأجرة منهن إذا كن محتاجات، وليس لهن معيل غيرك. ولتعلم أن صلتك لرحمهن سبب ـ إن شاء الله تعالى ـ في تحصيلك للرزق، ففي الحديث الصحيح: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. رواه البخاري.

وأما أمك: فلا ينبغي لك أن تأخذ شيئا من مالها مقابل خدمتك لها، وهي التي قد ربتك وسهرت عليك وخدمتك إذ كنت في أمس الحاجة لذلك، فلو خدمتها طوال عمرك لما وفيتها حقها عليك، ولو احتجت إلى شيء من مالها فاسألها إياه. والمعهود من طبيعة الأم أنها ستعطيك إياه طيبة به نفسها، ولا تشعرها أن ذلك في مقابل خدمتك إياها، وانظر الفتوى رقم: 120661، عن حكم الأخذ من مال الأم لتوفير الخدمات لها، والفتوى رقم: 123130، عن حكم أخذ أجرة لقاء توفير احتياجات الأم والأخت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني