السؤال
أنا فتاة أبلغ من العمر ٢٦ عاما خريجة قسم دين ـ ولله الحمد ـ أعلم أن كل شيء خلقه الله بقدر وأنه كتب المقادير عنده سبحانه، ولكن هل موضوع الزواج قد اختلف فيه هل هو قسمة ونصيب؟ أم يضاف إليهما القدر والنصيب، وأنه سعي يسعى إليه ابن آدم ليحصل عليه؟
فأبي رفض كل من تقدم لي إلى الآن وكان أغلبهم ذوو كفاءة وأخلاق، وكان آخرهم الذي رفضه لسبب غير منطقي... لم يخبرني ولم يأخذ برأيي، ووالدي يعلم بأمور الدين والشرع، ويعلم بأن ما يفعله بي هو الحرام بعينه، ولكنه من الناس الذين يتخذون دينهم على هواه، ولا يستمع لرأي أحد، لأنه يضع رأيه فوق الكل، ويعتبر نفسه مصيبا، وكل من حولهُ من خيرة القوم في أمور الدين مخطئون، فهل لأنه أبي والولي له الحق أن يفعل ما يشاء؟ ولم أخبره أو أفصح له عن رغبتي به وبموافقتي عليه، لأنه سيرى ذلك من العقوق... وسيدعو علي بعدم التوفيق في زواجي، فهل هنا دعاؤه يستجاب؟ وأشعر أنه ظلمني كثيرا، لأنه يقف أمامي في كل شيء من وظيفة، أو دراستي العليا، ولا أعلم ماذا أفعل ولا كيف أتصرف حيال هذا الموضوع؟ وهو يرد على الخطاب بأنه صلى الاستخارة وليس في هذا الأمر خير ولا نصيب، فما حكم الشرع في هذا؟ وهل هذا العضل الذي يجريه علي من أمر الله وقدره؟ وهل الله سبحانه وتعالى جعل من رفض الأب وعضله سببا لعدم وقوع الزواج؟
وما الحكم هنا إذا لم يخبرها بمن تقدم لها من خطاب؟ وهل الفتاة العذراء التي لم تتزوج في الدنيا تختار من شباب الجنة من أرادات في حالتي هذه؟ وكيف يكون الأخذ بالأسباب في مشكلة العضل في حالتي هذه؟ وهل للأب أن يظلم ويغضب على بناته ويدعو عليهن بالسوء دون سبب؟.
جزاكم الله عنا خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في أن كل شيء بقدر، كما أخبر الله في كتابه، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته، قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}.
وفي صحيح مسلم عن طاووس: أنه قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر. قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكَيْس.
فالزواج إذاً من قدر الله تعالى، وإذا حصل عضل فمن قدر الله، والأسباب كذلك من قدر الله، وهو سبحانه إذا أراد بعبده خيرا يسر له أسبابه، كما أنه مطلوب من المسلم أن لا يستسلم، بل يدافع القدر بالقدر، وسبق التفصيل في هذا في الفتوى رقم: 154397.
وليس هنالك تعارض بين أمر القدر وبذل الأسباب، ولذا جاء في الحديث الذي رواه مسلم عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز... الحديث.
فلتبذلي الأسباب وييسر رب العالمين سبحانه، ومن هنا كان من الأهمية بمكان التوجه إليه بالدعاء وسؤاله التوفيق وعدم الاعتماد على الأسباب مع أهميتها، وليس للولي أن يرفض خاطبا ملتزما بالشرع، والولاية لا تقتضي التعسف والقسوة، وإنما هي ولاية رحمة وتدبير وترتيب للأمور، فإذا أساء استخدامها كان عاضلا وسقطت ولايته وانتقلت إلى الأبعد أو السلطان على خلاف بين الفقهاء في ذلك، والمقصود إزالة الضرر عن المرأة والعمل على تزويجها، والممنوع هو العضل ورد الأكفاء، ولكن لا يلزم الأب إخبار ابنته بكل من تقدم لها.
ووصيتنا لك بكثرة الدعاء والاستعانة بالشفعاء وعدم اليأس عسى الله تعالى أن يلين قلبه، وإن لم يبق إلا أن ترفعي الأمر إلى القضاء فافعلي، وليس في ذلك عقوق منك له، فطاعة الوالدين لا تجب بإطلاق، ولكنها تكون فيما فيه مصلحة لهما ولا ضرر على الأولاد، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 76303.
وهذا ضابط عام اجعليه نصب عينيك في كل أمر مشروع يتعنت فيه أبوك، وإذا دعا عليك بغير وجه حق نرجو أن لا يستجاب له فيك، وعلى كل حال اجتهدي في الحذر من كل ما يؤدي إلى سخطه، واعملي على بره مهما أساء إليك، فإساءة الوالد لا تسقط بره، كما أسلفنا القول في ذلك في الفتوى رقم: 299887، فراجعيها للأهمية.
واعلمي أنه ليس في الجنة عزباء، فمن ماتت ولم تتزوج زوجها الله عز وجل في الجنة بمن شاء سبحانه، وراجعي الفتوى رقم: 164177.
والله نسأل أن يفرج عنك الهم وينفس الكرب ويصلح الحال ويرزقك زوجا صالحا تقر به عينك، وراجعي الفتوى رقم: 53348، ففيها جملة أدعية تتناسب وحالتك فاحرصي عليها.
والله أعلم.