السؤال
سؤالي: في الصلاة الإبراهيمة: كيف صلى الله عز وجل، على نبيه إبراهيم وكيف بارك عليه، وعلى أمته؟
هذا المطلوب، وليس شرح المعاني، فهي معلومة.
وشكرا.
سؤالي: في الصلاة الإبراهيمة: كيف صلى الله عز وجل، على نبيه إبراهيم وكيف بارك عليه، وعلى أمته؟
هذا المطلوب، وليس شرح المعاني، فهي معلومة.
وشكرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فصلاة الله على إبراهيم عليه السلام، هي رحمته إياه على قول، وكيفية هذه الرحمة يعلمها الله تعالى، إذ هي من صفاته، وقد قالت الملائكة لسارة عليها السلام: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ {هود:73}.
وقيل إن صلاة الله معناها ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، ورجح هذا القول ابن القيم من أوجه عديدة، وكيفية هذا الثناء يعلمها الله تعالى، على أن القرآن المجيد، قد تضمن طرفا من هذا الثناء العاطر على إبراهيم عليه السلام، كما قال تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ {النحل:120-122}. إلى غير ذلك من المواضع الكثيرة، التي أثنى الله فيها على خليله إبراهيم عليه السلام، وقد شرفه ربه، وأكرمه بأن اتخذه خليلا، وجعله أبا للأنبياء، وإماما للحنفاء، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
والبركة هي ثبوت الخير، ولزومه، ونماؤه وزيادته، وإذا كان كذلك، فالبركة الحاصلة من الله لإبراهيم وآله من أعظم البركات.
وقد بيَّن العلامة ابن القيم -رحمه الله- في جلاء الأفهام، بعض وجوه هذه البركة، ونحن ننقل لك كلامه بطوله لنفاسته.
قال طيب الله ثراه: وَالْمَقْصُود الْكَلَام على قَوْله: وَبَارك على مُحَمَّد، وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم: فَهَذَا الدُّعَاء يتَضَمَّن إعطاءه من الْخَيْر، مَا أعطَاهُ لآل إِبْرَاهِيم، وإدامته، وثبوته لَهُ، ومضاعفته، وزيادته. هَذَا حَقِيقَة الْبركَة.
وَقد قَالَ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيم وَآله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاق} الصافات 112 و 113 وَقَالَ تَعَالَى فِيهِ، وَفِي أهل بَيته: {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} هود .....
ولما كان هذا البيت المبارك المطهر، أشرف بيوت العالم على الإطلاق، خصهم الله سبحانه وتعالى منه بخصائص:
منها: أنه جعل فيه النبوة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم نبي إلا من أهل بيته.
ومنها: أنه سبحانه جعلهم أئمة يهدون بأمره إلى يوم القيامة، فكل من دخل الجنة من أولياء الله بعدهم، فإنما دخل من طريقهم وبدعوتهم.
ومنها: أنه سبحانه اتخذ منهم الخليلين: إبراهيم، ومحمداً صلى الله وسلم عليهما، قال تعالى: { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}النساء: من الآية125، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً" وهذا من خواص هذا البيت.
ومنها: أنه سبحانه جعل صاحب هذا البيت إماماً للعالمين، كما قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} البقرة: من الآية124.
ومنها: أنه أجرى على يديه بناء بيته، الذي جعله قياماً للناس، وقبلة لهم، وحجاً، فكان ظهور هذا البيت من أهل هذا البيت الأكرمين.
ومنها: أنه أمر عباده بأن يصلوا على أهل هذا البيت، كما صلى على أهل بيتهم وسلفهم، وهم إبراهيم وآله، وهذه خاصية لهم.
ومنها: أنه أخرج منهم الأمتين المعظمتين، اللتين لم تخرجا من أهل بيت غيرهم، وهم أمة موسى، وأمة محمد، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم تمام سبعين أمة، هم خيرها، وأكرمها على الله.
ومنها: أن الله سبحانه أبقى عليهم لسان صدق، وثناء حسناً في العالم، فلا يذكرون إلا بالثناء عليهم والصلاة والسلام عليهم، قال الله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} الصافات: 108-110.
ومنها: جعل أهل هذا البيت فرقاناً بين الناس، فالسعداء أتباعهم ومحبوهم ومن تولاهم، والأشقياء من أبغضهم، وأعرض عنهم وعاداهم، فالجنة لهم ولأتباعهم، والنار لأعدائهم ومخالفيهم.
ومنها: أنه سبحانه جعل ذكرهم مقروناً بذكره، فيقال: إبراهيم خليل الله، ورسوله، ونبيه، ومحمد رسول الله، وخليله ونبيه، وموسى كليم الله ورسوله، قال تعالى لنبيه يذكره بنعمته عليه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} الشرح:4, قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إذا ذكرت، ذكرت معي". فيقال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وفي كلمة الإسلام، وفي الأذان، وفي الخطب، وفي التشهدات، وغير ذلك.
ومنها: أنه سبحانه جعل خلاص خلقة من شقاء الدنيا والآخرة، على أيدي أهل هذا البيت، فلهم على الناس من النعم ما لا يمكن إحصاؤها ولا جزاؤها، ولهم المنن الجسام في رقاب الأولين والآخرين من أهل السعادة، والأيادي العظام عندهم التي يجازيهم عليها الله عز وجل.
ومنها: أن كل بر ونفع، وعمل صالح، وطاعة لله تعالى حصلت في العالم، فلهم من الأجر مثل أجور عامليها، فسبحان من يختص بفضله من يشاء من عباده.
ومنها: أنه سبحانه وتعالى سد جميع الطرق بينه وبين العالمين، وأغلق دونهم الأبواب، فلم يفتح لأحد قط إلا من طريقهم وبابهم.
قال الجنيد رضي الله عنه: يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: "وعزتي وجلالي، لو أتوني من كل طريق، أو استفتحوا من كل باب، لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك".
ومنها: أنه سبحانه خصهم من العلم، بما لم يخص به أهل بيت سواهم من العالمين، فلم يطرق العالم أهل بيت، أعلم بالله وأسمائه وصفاته، وأحكامه وأفعاله، وثوابه وعقابه، وشرعه، ومواقع رضاه وغضبه، وملائكته، ومخلوقاته منهم، فسبحان من جمع لهم علم الأولين، والآخرين.
ومنها: أنه سبحانه خصهم من توحيده، ومحبته، وقربه والاختصاص به، بما لم يخص به أهل بيت سواهم.
ومنها: أنه سبحانه مكَّن لهم في الأرض، واستخلفهم فيها، وأطاع لهم أهل الأرض، ما لم يحصل لغيرهم.
ومنها: أنه سبحانه أيدهم ونصرهم، وأظفرهم بأعدائه، وأعدائهم بما لم يؤيد غيرهم.
ومنها: أنه سبحانه محا بهم من آثار أهل الضلال والشرك، ومن الآثار التي يبغضها، ويمقتها ما لم يمحه بسواهم.
ومنها: أنه سبحانه غرس لهم من المحبة والإجلال، والتعظيم في قلوب العالمين، ما لم يغرسه لغيرهم.
ومنها: أنه سبحانه جعل آثارهم في الأرض، سبباً لبقاء العالم وحفظه، فلا يزال العالم باقياً ما بقيت آثارهم، فإذا ذهبت آثارهم من الأرض، فذاك أوان خراب العالم. انتهى المقصود من كلامه رحمه الله.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني