السؤال
وجدت هذا الكلام، هل هذا من التخصيص والابتداع أم هذا فعل حسن؟
أذكار للمطبخ لكل ربة منزل
ـ افتحي باب المطبخ وقولي بسم الله
ـ وإذا فكرت في كثرة العمل (يعني في حاجات كثيرة جدا ستعملينها ولم تعملي منها شيئا لا تحبطين وتقولين كل هذا شغل) اهدئي وقولي لا حول ولا قوة إلا بالله...
ـ وإذا أشعلت النار فقولي اللهم أجرني من النار.
ـ وإذا شعرت بلفح حرارة الفرن فاستعيذي من لفح جهنم.
ـ وإذا استخدمت الماء فقولي اللهم صل على محمد وآل محمد لتنالي شفاعته وتشربي من حوضه, أو قولي اللهم اسقني من حوض الجنة.
ـ وإذا استخدمت فاكهة ولحما وخضارا فاسألي الله الجنة ففيها فاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة.
ـ لو أكلت أي حاجة طعمها حلو اسرحي قليلا وقولي لو كانت في الجنة ستبقي طعمها ماذا الله يا رب ارزقني خيرا منها في الجنة... ولحم طير مما يشتهون.
لو أكلت حاجة ولقيتها طعمها مر أو حامض لا تقرفي ولا تقولي بععععع قولي لو كان الزقوم طعمه ماذا يكون؟ واستعيذي منه وادعي ربنا أنك لا تأكليه يوم القيامة يا رب يحفظكم ويحفظني معكم...
وإذا قطعت ما تريدين فاجعلي حركة سكينك إحداها تسبيحة والأخرى تحميدة فتكوني من الذاكرين الله السابقين إلى رضوانه فذكر الله قد فاق الجهاد.
لو رفعت أي حاجة ثقيلة وظهرك وجعك أو لست قادرة على رفعها تذكري على طول يا رب إما ترفع ذنوبي يوم القيامة، استغفري عن كل ذنب سواء تذكرته أو لا لعلها تخفف عنك قليلا هناك الذنوب ستبقى ثقيلة جدا.
وإذا انتهيت من عملك فاحمدي الله أن أعانك، وإذا تعبت فاحتسبي الأجر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعامة ما ذكر حسن جميل، فتذكر النار عند رؤية ما يذكر بها من نار الدنيا وكذا تذكر الجنة عند حصول النعم في الدنيا مما شرعه الله لعباده، وهو من أعظم أسباب ترقيق القلب، فيكون العبد موصولا دائما بربه دائم الفكرة في الآخرة وما فيها، وقد قال الله تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا {التوبة:81}، وبين سبحانه أن من حكمة خلق النار في الدنيا أن تذكر بنار الآخرة فقال تعالى: نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ {الواقعة:73}، قال القرطبي: قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) يَعْنِي نَارَ الدُّنْيَا موعظة للنار الكبرى، قال قَتَادَةُ. وَمُجَاهِدٌ: تَبْصِرَةً لِلنَّاسِ مِنَ الظَّلَامِ، وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ) فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةٌ، قَالَ: فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا. انتهى، وفي المقابل جعل الله ثمر الدنيا مذكرا بثمر الجنة كما قال تعالى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا {البقرة:25}، قال ابن كثير: وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً، قَالَ: يُشْبِهُ ثَمَرَ الدُّنْيَا غَيْرَ أَنَّ ثَمَرَ الْجَنَّةِ أَطْيَبُ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يُشْبِهُ شَيْءٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي الْأَسْمَاءِ، وفِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الجنة إلا الأسماء. انتهى، وقد دلت على هذا المعنى أحاديث، فمنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ. متفق عليه، وأمر صلى الله عليه وسلم بالإبراد بالظهر لكون شدة الحر من فيح جهنم، وأخبر أن الحمى من فيح جهنم وأمر بإبرادها بالماء، قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ: وهذه الدار الفانية ممزوجة بالنعيم والألم فما فيها من النعيم يذكر بنعيم الجنة، وما فيها من الألم يذكر بألم النار، وجعل الله تعالى في هذه الدار أشياء كثيرة تذكر بدار الغيب المؤجلة الباقية، فمنها ما يذكر بالجنة من زمان ومكان، أما الأماكن فخلق الله بعض البلدان كالشام وغيرها فيها من المطاعم والمشارب والملابس وغير ذلك من نعيم الدنيا ما يذكر بنعيم الجنة، وأما الأزمان: فكزمن الربيع فإنه يذكر طيبه بنعيم الجنة وطيبها، وكأوقات الأسحار فإن بردها يذكر ببرد الجنة، وفي الحديث الذي خرجه الطبراني: "إن الجنة تفتح في كل ليلة في السحر فينظر الله إليها فيقول لها: ازدادي طيبا لأهلك، فتزداد طيبا فذلك برد السحر الذي يجده الناس" وروى سعيد الجريري عن سعيد بن أبي الحسن أن داود عليه السلام قال: يا جبريل أي الليل أفضل؟ قال: ما أدري غير أن العرش يهتز إذا كان من السحر ألا ترى أنه يفوح ريح كل الشجر، ومنها ما يذكر بالنار فإن الله تعالى جعل في الدنيا أشياء كثيرة تذكر بالنار المعدة لمن عصاه وما فيها من الآلام والعقوبات من أماكن وأزمان وأجسام وغير ذلك، أما الأماكن فكثير من البلدان مفرطة الحر أو البرد فبردها يذكر بزمهرير جهنم، وحرها يذكر بحر جهنم وسمومها، وبعض البقاع يذكر بالنار كالحمام، قال أبو هريرة: نعم البيت الحمام يدخله المؤمن فيزيل به الدرن ويستعيذ بالله فيه من النار. انتهى.
وقد وردت آثار كثيرة عن السلف الطيب رضي الله عنهم تدل على عنايتهم بهذا الأمر وهو أن يجعلوا كل ما في الدنيا مذكرا بالله تعالى وبالآخرة وما أعد فيها، فذكر في ترجمة الأحنف بن قيس ـ رحمه الله ـ أنه كان يضع إصبعه على المصباح ويقول: حسَّ يا أحنف، ما حملك على كذا؟ ما حملك على كذا؟ ويقول لِنَفْسِهِ: إِذَا لَمْ تَصْبِرْ عَلَى الْمِصْبَاحِ فَكَيْفَ تصبر على النار الكبرى. ذكره ابن كثير في البداية، وتتبع هذا المعنى في سيرهم وأخبارهم يطول جدا.
والحاصل أن تذكر المرأة معاني الآخرة وهي في مطبخها أمر حسن جميل، وذكرها الله ذكرا مطلقا في هذه الحال وفي جميع أحيانها من أعظم ما تعبد به ربها تبارك وتعالى، وتسميتها عند افتتاح عملها كذلك أمر مشروع، وأما الذي ينكر في هذا الكلام فهو تخصيص كل حالة بذكر معين، بل عليها أن تكثر من ذكر الله تسبيحا وتحميدا وتكبيرا وتهليلا وحوقلة وغير ذلك، وأما تخصيص كل حالة بذكر كتخصيص الصلاة على النبي عند فتح الماء ونحو ذلك فيخشى أن يكون من البدع الإضافية لأنه من تشبيه غير المشروع بالمشروع، ولتنظر الفتوى رقم: 208723.
والله أعلم.