السؤال
مشكلتي هي أني في غالب الأحيان عند ما أحدّث أحدًا أزكّي نفسي كثيرًا، وأنا أعلم جيدًا أن تزكية الناس من الأفعال المذمومة.
لقد دعوت الله كثيرًا أن يعفو عنّي من هذا البلاء، وأدعوه عقب كل صلاة، ولكني أجد نفسي ما زلت على نفس الحال، وأدعو الله أن يعافيني مرة أخرى وأن يغفر لي، لكني أعود لذلك مرة أخرى وأخرى، ولم أجد في نفسي راحة من هذا البلاء إلا عند ما أعتزل الناس. فما العمل؟ وهل هناك من دعاء أو فعل شيء للشفاء من هذا العمل السيء؟
وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يشرح صدرك، ويطهرك قلبك، وأن يصون لسانك عمّا لا يرضيه، ونوصيك بالمضي في دعاء الله -جل علا- والإلحاح عليه في المسألة أن يعافيك من الثناء على نفسك ومدحها دون مسوغ، ومما ينفعك في التخلص من آفة الثناء على النفس: استشعار مغبة مدح النفس وتزكيتها، وما يجر إليه من وخيم العواقب في العاجل والآجل، ومما يحسن بك: الإقلال من مخالطة الناس إلا فيما ينفع، وكذلك مجاهدة نفسك في الإمساك عن الكلام إلّا فيما فيه خير؛ لأن الإكثار من الحديث قد يؤدي بالمرء إلى الوقوع في حمأة مدح النفس وتزكيتها، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت. متفق عليه. قال النووي في شرح مسلم: معناه: أنه إذا أراد أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيرًا محقّقًا يثاب عليه واجبًا أو مندوبًا فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه فليمسك عن الكلام، سواء ظهر له أنه حرام أو مكروه أو مباح مستوي الطرفين، فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورًا بتركه مندوبًا إلى الإمساك عنه مخافة من انجراره إلى المحرم أو المكروه، وهذا يقع في العادة كثيرًا أو غالبًا، وقد قال الله تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. اهـ.
ومما يفيد كذلك: مطالعة ما كتبه العلماء في كتب الرقائق من أدواء النفوس وسبل علاجها، مثل ما كتبه الغزالي في كتابه الإحياء في مبحث: بيان وجه العلاج لحب المدح وكراهة الذم، ضمن كتاب ذم الجاه والرياء. وغيره من الكتب -وقد ذكرنا بعضها في الفتوى رقم: 292897-.
ومن المفيد كذلك: النظر في سير السلف الصالح من هذه الأمة، وليرى المرء مدى تجافيهم عن مدح أنفسهم، وكراهتهم لذلك، ثم يسعى في التأسّي بهم.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 52210، والفتوى رقم: 162227.
والله أعلم.