السؤال
بعد أن ذكر الحق قصة ابني آدم قال عز وجل: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل...الآية، وهناك فترة زمنية طويلة بين الحادثة وبني إسرائيل، فلماذا خصهم الله بالذكر؟ وما العلاقة والارتباط؟ وجزاكم الله خيرًا.
بعد أن ذكر الحق قصة ابني آدم قال عز وجل: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل...الآية، وهناك فترة زمنية طويلة بين الحادثة وبني إسرائيل، فلماذا خصهم الله بالذكر؟ وما العلاقة والارتباط؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن العلاقة بين ابني آدم وبني إسرائيل هي أن ابن آدم هو أول من سن القتل، وقد استن به بنوا إسرائيل بشكل فظيع يدل على قساوة قلوبهم، حتى قتلوا بعض الأنبياء، وهموا بقتل بعضهم، كما قال تعالى حاكيا قول هارون ـ عليه السلام ـ لموسى: قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأعراف:150}.
وأخبر تعالى عن قتلهم الأنبياء في سورة البقرة، فقال: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ {البقرة:61}.
وقال: لقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ {آل عمران:181}.
وقال عنهم: لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ {المائدة: 70}.
وقد هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم قبل غزوة النضير، فأنزل الله عليه هذه الآيات تسلية له، وبيانًا لانحرافهم، ولا شك أن القتل كان محرمًا في جميع الرسالات، ولكن أول كتاب ذكر فيه الوعيد على القتل هو التوراة، قال ابن عطية في المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: وخص الله تعالى: بني إسرائيل بالذكر، وقد تقدمتهم أمم كان قتل النفس فيهم محظورًا لوجهين:
أحدهما: فيما روي أن بني إسرائيل أول أمة نزل الوعيد عليهم في قتل النفس في كتاب، وغلظ الأمر عليهم بحسب طغيانهم، وسفكهم الدماء.
والآخر: لتلوح مذمتهم في أن كتب عليهم هذا، وهم مع ذلك لا يرعوون، ولا ينتهون، بل هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم ظلمًا، فخصوا بالذكر؛ لحضورهم مخالفين لما كتب عليهم. اهـ.
وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى: من أجل ذلك ـ هل هو من تمام الكلام الذي قبله، أم هو تعليل لكتب القصاص على بني إسرائيل، على قولين، قال الخازن في لباب التأويل في معاني التنزيل: فإن قلت: من أجل ذلك ـ معناه من أجل ما مر من قصة قابيل وهابيل كتبنا على بني إسرائيل، وهذا مشكل؛ لأنه لا مناسبة بين واقعة قابيل وهابيل وبين وجوب القصاص على بني إسرائيل.
قلت: قال بعضهم: هو من تمام الكلام الذي قبله، والمعنى فأصبح من النادمين من أجل ذلك أي من أجل أنه قتل هابيل، ولم يواره.
ويروى عن نافع أنه كان يقف على قوله: من أجل ذلك، ويجعله تمام الكلام الأول، فعلى هذا يزول الإشكال.
لكن جمهور المفسرين، وأصحاب المعاني على أن قوله: من أجل ذلك ـ ابتداء كلام، وليس يوقف عليه.
فعلى هذا قال بعضهم: إن قوله: من أجل ذلك ـ ليس هو إشارة إلى قصة قابيل وهابيل، بل هو إشارة إلى ما مر ما ذكره في هذه القصة من أنواع المفاسد الحاصلة بسب هذا القتل الحرام:
منها قوله: فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ ـ وفيه إشارة إلى أنه حصلت له خسارة في الدين والدنيا والآخرة.
ومنها قوله: فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ـ وفيه إشارة إلى أنه حظر في أنواع الندم، والحسرة، والحزن، مع أنه لا دافع لذلك البتة.
فقوله: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل ـ أي من أجل ذلك الذي ذكرنا في أثناء القصة من أنواع المفاسد المتولدة من القتل العمد المحرم شرعنا القصاص على القاتل، فإن قلت: فعلى هذا تكون شريعة القصاص حكمًا ثابتًا في جميع الأمم، فما الفائدة بتخصيصه ببني إسرائيل؟
قلت: إن وجوب القصاص وإن كان عامّا في جميع الأديان، والملل، إلا أن التشديد المذكور ها هنا في حق بني إسرائيل غير ثابت في جميع الأديان، والملل؛ لأنه تعالى حكم في هذه الآية بأن من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا، ولا يشك أن المقصود منه المبالغة في عقاب قاتل النفس عدوانًا، وأن اليهود مع علمهم بهذه المبالغة العظيمة أقدموا على قتل الأنبياء، والرسل، وذلك يدل على قساوة قلوبهم، وبعدهم عن الله عز وجل، ولما كان الفرض من ذكر هذه القصة تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما أقدم عليه اليهود بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبأصحابه، فتخصيص بني إسرائيل في هذه القصة بهذه المبالغة مناسب للكلام، وتوكيد للمقصود. والله أعلم بمراده. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني