السؤال
قال تعالى: {لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا}.
ورد في تفسير الطبري لهذه الآية أن معنى {أن تبدل} أي: أن يبادل الرجل بزوجته زوجة رجل آخر، وقال: إن هذه كانت من عادات الجاهلية. فإذا كانت من عادات الجاهلية، فلماذا يخاطب الله -سبحانه وتعالى- الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الآية؟ وما علاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بعادة من عادات الجاهلية؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فقوله تعالى: {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ} في تفسيرها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن تطلِّق زوجاتك وتستبدل بهنَّ سِواهنَّ، فلَا تطلق امْرَأَة مِنْ نسائك تُرِيدُ بِطَلَاقِهَا أَن تتبدل بهَا زوجا أُخْرَى. قاله الضحاك.
والثاني: أن تبدِّل بالمسلمات المشركات. قاله مجاهد في آخرين.
والثالث: أن تُعطيَ الرجل زوجتك وتأخذ زوجته، وهذه كانت عادة للجاهلية، قاله ابن زيد.
وقد رجح الإمام ابن جرير الطبري التفسير الأول، وأنكر الأخير، وقال: إنه غير معروف عن العرب أنها كانت تفعل ذلك، قال -رحمه الله تعالى-: وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا: فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ، وَالتَّنْزِيلُ: وَلَا أَنْ تُبَادِلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ، أَوْ: وَلَا أَنْ تُبَدِّلَ بِهِنَّ بِضَمِّ التَّاءِ؛ وَلَكِنَّ الْقِرَاءَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ} [الأحزاب: 52] بِفَتْحِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: وَلَا أَنْ تَسْتَبْدِلَ بِهِنَّ، مَعَ أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرَ ابْنُ زَيْدٍ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي أُمَّةٍ نَعْلَمُهُ مِنَ الْأُمَمِ: أَنْ يُبَادِلَ الرَّجُلُ آخَرَ بِامْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ ... اهـ.
وقال القرطبي في تفسيره: وَقَدْ أَنْكَرَ الطَّبَرِيُّ، وَالنَّحَّاسُ، وَغَيْرُهُمَا مَا حَكَاهُ ابْنُ زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ، مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ تُبَادِلُ بِأَزْوَاجِهَا. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَمَا فَعَلَتِ الْعَرَبُ قَطُّ هَذَا. اهـ.
قال ابن كثير: هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ مُجَازَاةً لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرِضًا عَنْهُنَّ، عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِنَّ فِي اخْتِيَارِهِنَّ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، لَمَّا خَيَّرَهُنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ. فَلَمَّا اخْتَرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ جَزَاؤُهُنَّ أَنَّ اللَّهَ قَصَره عَلَيْهِنَّ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِنَّ، أَوْ يَسْتَبْدِلَ بِهِنَّ أَزْوَاجًا غَيْرَهُنَّ، وَلَوْ أَعْجَبَهُ حُسْنُهُنَّ، إِلَّا الْإِمَاءَ، وَالسِّرَارِيَ، فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيهِنَّ. اهـ.
والله تعالى أعلم.