السؤال
حالتي الصحية متدهورة ـ ولله الحمد ـ ولدي طفلان قاصران، وإخوة من والدي المتوفى ـ رحمه الله ـ ولا أثق بوصايتهم على أولادي القصر من بعدي، لوجود مطالبات وعداوة قديمة لا زالت قائمة بيننا بخصوص الميراث.... وأوصيت بأن تكون زوجتي هي الوصية عليهم من بعدي ومن يقوم بتربيتهم ورعاية أموالهم، فكيف أوثق وصيتي هذه بصفة شرعية وعملية حفاظا على أبنائي من بعدي من الشتات والضياع، علما بأن زوجتي يمنية الجنسية ولا علاقة لها ببلدها إطلاقا بموجب شهادة ميلادها وتوثيق عقدي معها من المحكمة، وفي حالة تعذرها يوجد شخص من أقاربي مشهود له بالعدالة والصلاح وأرغب في وصايته عليهم ولا نعرف أيضا كيفية إثبات وصيتي له بهذه شرعا، وقلبي يتقطع على أولادي يوما بعد يوم خوفا على مصيرهم بعد مماتي؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لنا ولك العافية وأن يشفيك ويطيل عمرك، وأما الوصية إلى المرأة العاقلة الرشيدة: فهي مشروعة، كما قال ابن مفلح في المبدع ونسبه لجمهور العلماء، واحتج له بأن عمر ـ رضي الله عنه ـ أوصى إلى حفصة رضي الله عنها.
وقال المواق في التاج والإكليل: لا تشترط الذكورية، فلو أوصى لزوجته أو غيرها ممن تصلح للوصية صحت الوصية إليها. اهـ.
وقال الهيتمي في التحفة: ولا تشترط الذكورة إجماعا، وأم الأطفال المستجمعة للشروط عند الوصية... أولى بإسناد الوصية إليها من غيرها، لأنها أشفق عليهم. اهـ.
فلك أن توصي لزوجتك إن كانت متصفة بالعدالة، كما لك أن توصي لأحد العدول من أقربائك أو من غيرهم، فإن الوصي تشترط فيه العدالة والأمانة، ويرى بعض أهل العلم وجوب الوصاية إلى من يؤمن على مال القصر عند الخشية من اعتداء من لا يؤمن، قال الهيتمي في التحفة: وبحث الأذرعي وجوبه في أمر نحو الأطفال إلى ثقة مأمون وجيه كاف إذا وجده وغلب على ظنه أن تركه يؤدي إلى استيلاء خائن من قاض أو غيره على أموالهم، وفي هذا ذهاب إلى أنه يلزمه حفظ مالهم بما قدر عليه بعد موته كما في حياته. اهـ.
وأما عن إثبات الوصية وتوثيقها: فيمكن أن تكتبها وتشهد عدلين عليها، وتوثق ذلك عند المحاكم الشرعية.
ونوصيك بأن تهون على نفسك في شأن مصير أولادك من بعدك، فإن الله الذي ربى الكبار وحفظهم هو الذي يعتمد عليه في شأن الصغار وتربيتهم وحفظهم ورعايتهم، فأصلح العلاقة مع الله وكثر من دعائه أن يرعى الأولاد ويحسن تربيتهم، فإن الله قد حفظ مال اليتيمين بفضله، ثم بطاعة والدهما، قال تعالى: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا {الكهف:82}
قال القرطبي: ظاهر اللفظ والسابق منه أنه والدهما دنية، وقيل هو الأب السابع، وقيل العاشر.. قال أهل التفسير: كان أبوهما صالحا فحفظهما الله تعالى فيه وإن لم يذكرا بصلاح.... والفائدة من القصة التي يدل عليها السياق هي أن الله تعالى يحفظ عبده الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعد عنه، وقد روي أن الله تعالى يحفظ العبد الصالح في سبعة من ذريته، وعلى هذا يدل قول الله تعالى: إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين {الأعراف:196}. اهـ ملخصا.
والله أعلم.