السؤال
أنا شاب قد ابتلاني الله بتدخين الشيشة منذ 7 سنوات، ومنذ فترة رأتني الوالدة أدخن فغضبت وقالت لي لن أكون عافية عنك إذا دخنت مرة أخرى، فرميت الشيشة وابتعدت عنها لفترة ليست بالقصيرة، ولكنني جلست مع بعض الشباب، وللأسف أغواني الشيطان ودخنت معهم، فهل التوبة من هذا الفعل تجب الفعل وشرط عدم العفو أيضا؟ أم يبقى محكوما علي أنني شخص عاق غير مرضي عنه، مع العلم أنني لا أستطيع مصارحتها بأنني قد دخنت، فهذا قد يزيدها غضبا، فهي حساسة جدا بسبب الأمراض الخبيثة أعاذنا الله منها جميعاً؟ وهل التوبة تجب الفعل وشرط الوالدة؟.
السؤال الثاني: أعمل في شركة، وأنا مسؤول عن بعض العمالة، وأحيانا يتم التقصير من قبلهم، فأعمد إلى تبليغ الإدارة التي تتخذ بعض الإجراءات الحادة والقاسية قليلا مثل الخصم منهم، فهل يجب علي الإبلاغ دوما؟ وهل من الممكن أن أغض الطرف عن بعض الأخطاء، لأجنبهم الخصم، لأنهم في حكم الأقرب للفقراء ويعملون بجد لكن الإدارة صارمة، وأحيانا أيضا يتم تأخير إجازاتهم أو منعهم بعض الأموال أو تأخير الحقوق؟ وهل أكون في حكم أعوان الظلمة، مع العلم أنني أطبق ما يطلبونه فقط؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالتدخين بشرب الشيشة وعقوق الأم بمخالفة شرطها بشرب الشيشة من المعاصي التي تجبّها التوبة، فإن التوبة تجبّ ما قبلها من المعاصي بدون استثناء، إذا كانت توبة صحيحة صادقة، وفي الحديث: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وغيره.
وأما قولك: لا أستطيع مصارحتها بأنني قد دخنت، فهذا قد يزيدها غضبا ـ فلا يشترط لصحة توبتك أن تصارح أمك بما فعلت، وتتأكد عدم مصارحتها إذا كانت تغضبها، بل المشروع هو الستر بستر الله عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.
وأما جواب السؤال الثاني: فإننا نقول: إن المسؤول عن إدارة أي عمل إنما هو راع فيه، وهو مسؤول عن رعيته، وعليه أن يؤدي أمانة عمله بإقامة العدل مع العاملين تحت إدارته، وأن يجري عليهم بنود العقد الذي تم الاتفاق عليه مادام خاليا من المخالفات الشرعية، فلا يغض الطرف عن أخطائهم، وفي نفس الوقت لا يُعِن من فوقه في الإدارة على ظلمهم وبخس حقهم، فإن فعل فإنه يكون من الظالمين ومن أعوانهم.
وعليه، فإذا علمت أن الخصومات التي تقتطع من أجر العاملين بغير حق، فلا يجوز لك تنفيذها ولا الإعانة عليها، بل ينبغي نصح صاحب العمل وبيان وجه الحق عسى أن يرتدع ويكف عن أكل أموال العمال بالباطل، روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ.
فنصيحتنا لك أن ترفق بمن تحتك من العاملين، وأن تجعل نصب عينيك دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ. رواه مسلم.
وقد سبق لنا التنبيه على أن الرفق بالعمال إنما يكون بما لا يضر العمل ولا يخالف النظام، في الفتوى رقم: 43311.
كما سبق بيان حكم معاقبة الموظف المقصر فصلاً أو خصماً، في الفتوى رقم: 48576.
والله أعلم.