الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فينبغي للمسلم أن يكون عفّ اللسان بعيدًا عن السب والشتم؛ ففي الحديث: ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء. رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن غريب. وصححه الألباني.
والأصل في التعامل مع الناس كلهم هو القول الحسن؛ لقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا {البقرة:83}.
وإذا استحق أحد من الناس الإنكار والإغلاظ عليه، فلا ينبغي أن يحمل ذلك على الفحش في القول؛ ففي مسند أحمد عن عائشة قالت: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- ناس من اليهود، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم. فقال: وعليكم. قالت عائشة فقلت: وعليكم السام والذام. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا عائشة، لا تكوني فاحشة. قالت: فقلت: يا رسول الله، أما سمعت ما قالوا السام عليك؟ قال: أليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلت: وعليكم. صححه الألباني.
وعن عائشة قالت: بينا أنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ استأذن رجل من اليهود، فأذن له، فقال: السام عليك. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: وعليك. قالت: فهممت أن أتكلم، قالت: ثم دخل الثانية، فقال مثل ذلك، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: وعليك. قالت: ثم دخل الثالثة، فقال: السام عليك. قالت: فقلت: بل السام عليكم، وغضب الله، إخوان القردة والخنازير، أتحيون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما لم يحيه به الله؟! قالت: فنظر إلي، فقال: مه، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولًا فرددناه عليهم فلم يضرنا شيء، ولزمهم إلى يوم القيامة.. إلخ. صححه الألباني.
وقد سبقت لنا فتاوى مفصلة في حكم لعن وسبّ الفاسق المعين، وكذلك الكافر المعين، والدعاء عليهما، ومنها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 280300، 145719، 56543، 108345، 170541.
وبمراجعتها يتبين لك أن الذي عليه أكثر أهل العلم هو حرمة لعن وسبّ الفاسق المعين، وكذا الدعاء عليه، سواء كان حيًّا أو ميتًا.
وأما الكافر المعين: فإن كان قد مات على الكفر، فلا حرج في لعنه والدعاء عليه.
وأما إذا كان حيًّا: فالأولى عدم لعنه أو سبه؛ لأنه قد يتوب، ويجوز أن يُدعى عليه بأن ينتقم الله منه، ويأخذه، ويهزمه, ويهلكه.
ومن لعنه أو سبّه فإن له سعة في قول من أجاز ذلك؛ قال الصنعاني في سبل السلام في شرحه لحديث: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. المتفق عليه: وفي مفهوم قوله المسلم دليل على جواز سب الكافر, فإن كان معاهدًا فهو أذية له, وقد نهى عن أذيته فلا يعمل بالمفهوم في حقه, وإن كان حربيًّا جاز سبه إذ لا حرمة له. اهـ.
ومثل لعنه وسبه وصفه بالكلب أو الحمار أو نحو ذلك؛ فإنه من جملة السب والشتم.
ولا يجوز تشبيه الإنسان المسلم -ولو عاصيًا- بالكلب والحمار، كأن يقال له: يا كلب. أو: يا حمار؛ فإن ذلك يعد من السب المنهي عنه شرعًا، ويستحق به التأديب عند الجمهور، كما سبق في الفتوى رقم: 231685.
وأما قول: يا فاسق أو نحوه للفاسق: فيجوز إذا كان لقصد صحيح؛ قال الصنعاني في (سبل السلام): الأكثر يقولون بأنه يجوز أن يقال للفاسق: يا فاسق، ويا مفسد. وكذا في غيبته، بشرط قصد النصيحة له أو لغيره لبيان حاله، أو للزجر عن صنيعه، لا لقصد الوقيعة فيه، فلا بد من قصد صحيح. اهـ.
والله أعلم.