السؤال
أنا فتاة عمري 18 سنة، ووالدي شهيد، ويريد ابن عمي الزواج بي، لكنني أكرهه، لأنه هو ووالده استغلوا ظروفي، وسرقوا إرثنا واستحوذوا على عقل أمي بأنهم سيعيدون لنا جزءا من إرثنا إذا تزوجته، وعندما رفضت أخذني ابن عمي وحبسني في بيته ومنع عني الطعام والشراب وهددني بأمي وإخوتي الأيتام حتى أوافق، حتى كتب كتابه علي، وأنا أرفضه بعدما أعطى رشوة للمأذون، وموعد العرس الذي حدده قد اقترب ولا أدري ماذا أعمل، علما بأنني في تركيا والمحاكم لا تتعامل بالشرع، لأن القانون مدني، ولفسخ العقد يجب على الطرفين القبول، فهل رفضي له وكرهي له أكثر من الشيطان يعتبر اعتراضا على قدر الله؟ ورب العالمين شرع لكل بنت أن تقبل بشريك حياتها وهو قد سلب مني هذا الحق، وهل ربي سينتقم لي منه؟ علما بأنني أفضل الموت على أن أعيش معه دقيقة واحدة؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الحال ما ذكرت، فقد أساء ابن عمك من عدة جهات:
الأولى: أخذه وأبوه تركة أبيكم، وهذا لا يجوز، فما يتركه الميت حق للورثة يحرم التصرف في شيء منه بغير رضاهم، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن ترك مالا فلورثته.
وروى أحمد في المسند عن عمرو بن يثربي ـ رضي الله عنه ـ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا ولا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفس منه.
الثانية: حبسه إياك ومنعك الطعام والشراب وتهديدك بأمك وإخوتك من أجل أن توافقي على الزواج منه، وهذا ظلم عظيم وجور كبير، نخشى أن يجد سوء عاقبته في الدنيا قبل الآخرة إن لم يتداركه الله برحمته، ففي صحيح البخاري عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، قال: ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ {هود:102}.
ولا يمكن الجزم بأنه سبحانه سينتقم منه، فهذا غيب، ولا يعلم الغيب إلا الله.
الثالثة: إقدامه على رشوة المأذون، والرشوة محرمة ملعون فاعلها، فهي كبيرة من كبائر الذنوب، روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم الراشي والمرتشي.
ومن المنكر أيضا إتمامه العقد بغير رضاك، وليس هذا من حقه، وفي صحة هذا العقد خلاف بين العلماء، قال ابن قدامة: ... وكذلك الحكم إذا زوج الأجنبي، أو زوجت المرأة المعتبر إذنها بغير إذنها، أو تزوج العبد بغير إذن سيده، فالنكاح في هذا كله باطل في أصح الروايتين، نص أحمد عليه في مواضع، وهو قول الشافعي وأبي عبيد وأبي ثور، وعن أحمد رواية أخرى أنه يقف على الإجازة، فإن أجازه جاز. اهـ.
وإذا لم يكن من سبيل إلى محكمة شرعية تنظر في أمرك فننصحك باللجوء إلى بعض العلماء والفضلاء عندكم واستشارتهم في الأمر، فإنهم أدرى بواقع البلد وأرجى لأن يشيروا إليك بالرأي السديد، ولم تذكري لنا من الذي تولى تزويجك، والولي شرط لصحة الزواج على الراجح من أقوال الفقهاء، وانظري الفتوى رقم: 1766.
وليس في رفضك له وكراهيتك الزواج منه اعتراض على قدر الله تعالى، والشرع الحكيم قد جعل للبنت الحق في القبول أو الرفض، ولذا أمر بالاستئذان، روى البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البكر تستأذن، قلت: إن البكر تستحيي، قال: إذنها صماتها.
والله أعلم.