الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى: وإن من أشراط الساعة أن تقرأ المثناة على رءوس الملأ...

السؤال

ما معنى "المثناة" في قوله صلى الله عليه وسلم: من اقتراب -وفي رواية أشراط- الساعة، أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار، ويفتح القول، ويخزن العمل، ويقرأ بالقوم (المثناة) ليس فيهم أحد ينكرها. قيل وما المثناة؟ قال: ما استكتب سوى كتاب الله عز وجل.
لقد رأيت القوم، منكري السنّة يستشهدون به -مع أنهم ينكرون السنة!!- ويقولون إنه يُقصد به كتب السنة، والفقه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن، واللفظ له، والدارمي والحاكم وغيرهم عن عمرو بن قيس السكوني، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول، ويخزن الفعل، وإن من أشراط الساعة أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار، وإن من أشراط الساعة أن تقرأ المثناة على رءوس الملأ لا تغير. قيل: وما المثناة؟ فقال: ما استكتب من غير كتاب الله. قيل: يا أبا عبد الرحمن، وكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ما أخذتموه عمن تأمنونه على نفسه ودينه، فاعقلوه، وعليكم بالقرآن فتعلموه، وعلموه أبناءكم؛ فإنكم عنه تسألون، وبه تجزون، وكفى به واعظا لمن كان يعقل.

وأخرجه الحاكم مرفوعا أيضا، وصحح الإسنادين -الموقوف، والمرفوع- وذكر الألباني الحديث في السلسلة الصحيحة، وقال: رواه جمع رفعه بعضهم، وأوقفه بعضهم، وهو في حكم المرفوع. اهـ.

بينما رجح جاسم الدوسري في تحقيقه الروض الباسم: أن الحديث ضعيف مرفوعا، وأن الصواب كونه موقوفا.

والمراد بالمثناة في الحديث هي: كتب أهل الكتاب.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث: فسألت رجلا من أهل العلم بالكتب الأول، قد عرفها وقرأها عن المثناة، فقال: إن الأحبار والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى، وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله تبارك وتعالى، فسموه المثناة، كأنه يعني أنهم أحلوا فيه ما شاءوا، وحرموا فيه ما شاءوا على خلاف كتاب الله تبارك وتعالى، فبهذا عرفت تأويل حديث عبد الله بن عمرو، أنه إنما كره الأخذ عن أهل الكتب لذلك المعنى، وقد كانت عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك، فأظنه قال هذا لمعرفته بما فيها، ولم يرد النهي عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، وكيف ينهى عن ذلك، وهو من أكثر الصحابة حديثا عنه. اهـ.

فلا يصح تفسير المثناة بكتب الحديث، إذ عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- راوي الحديث- نفسه، كان يكتب الحديث، فكيف ينهى عن كتابته؟!

ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة، يقول: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب، ولا أكتب.

وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو، قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، بشر يتكلم في الغضب، والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه، فقال: اكتب، فو الذي نفسي بيده، ما يخرج منه إلا حق. وصححه الألباني.

ومع هذا، فقد ذكر الدارمي الحديث في السنن تحت ترجمة بعنوان: باب من لم ير كتابة الحديث.اهـ. لكن الصواب خلافه، كما تقدم بيانه .

فالحاصل: أن الحديث -على فرض صحته- فالمراد بالمثناة فيه، إنما هو كتب أهل الكتاب.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 287521 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني