السؤال
وجدت في خزانة عمي المتوفى وصية بالوقف من جدي لأبي هذا نصها: إنه لما كان يوم الأربعاء ـ لعله التاسع والعشرون من صفر 1351 هـ ـ أوقف الرجل العاقل الرشيد جائز التصرف سعيد ابن حسن جميع ماله دارا وعقارا.... غير قطعة مطيرة، فهي خارجة عن الوقف على أولاده الذكور والإناث، ثم على نسل المنتسبين إلى الواقف، وقفا منجزا ملزما خاليا من الشروط المفسدة للوقف، وقفا لا يباع ولا يشترى، ولا يرهن ولا يوهب ولا يورث حتى يرث الله الأرض ومن عليها، والله خير الوارثين، وهذا الوقف محبوس الأصل مسبل الفرع، أراد الواقف بهذا الوقف وجه الله والدار الآخرة، تقبل الله من المحسنين، فقبل الموقوف عليهم ما تلفظ به الواقف، كان ذلك وهو في حال الصحة والاعتدال لا يحده على ذلك سفه ولا جنون ولا إكراه عارض واختيار، شهد على ما سطر الله، وكفى به شهيدا كل من: عبادة غرامة ابن حسين، وجمعان ابن مدهش، وعبد الله ابن سعيد طلان، وصالح ابن غرامة، وأنا عبد الله ابن مبارك العامري كاتب وشاهد، والله خير الشاهدين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ـ فعمي رحمه الله يورث كلالة، ووالدي أنجب ابنا واحدا ـ هو أنا ـ وست بنات، وعمتي مقعدة لدى أبنائها، وهذه الوصية لم يتم إبلاغنا عنها أبدا، وعمري الآن فوق 50 عاما، وحتى أبرئ ذمتي ذهبت للمحكمة الشرعية فأفادوني بأنه لابد من فتوى في هذه الوصية، فهل هذه الوصية صحيحة ويجب تنفيذها شرعا، علما بأن الشهود معروفون بالقرية ـ رحمهم الله ـ ومن يستفيد من هذا الوقف الآن؟ أم هي باطلة وأقوم بتوزيع الميراث وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمحكمة الشرعية هي جهة الفصل في مثل هذه القضايا، وطلبها لفتوى في هذه القضية مما يُستغرب، اللهم إلا إن كانت تعني فتوى جهة معينة كهيئة كبار العلماء أو اللجنة الدائمة للإفتاء، مما يعد مرجعا للفصل والترجيح في الخلاف،
وعلى أية حال، فنقول من باب الفائدة فقط: إن العمل بالخط المجرد، مع موت الواقف والشهود، لا يصح إلا مع انتفاء شبهة التزوير، والوثوق بصحة حجية الوقف، جاء في مجلة الأحكام العدلية المواد التالية:
المادة: 1736 ـ لا يعمل بالخط والخاتم فقط، أما إذا كان سالما من شبهة التزوير والتصنيع، فيكون معمولا به، أي يكون مدارا للحكم، ولا يحتاج للإثبات بوجه آخر.
المادة: 1737ـ البراءات السلطانية وقيود الدفاتر الخاقانية لكونها أمينة من التزوير معمولا بها.
المادة: 1738 ـ يعمل أيضا بسجلات المحاكم إذا كانت قد ضبطت سالمة من الحيلة والفساد على الوجه الذي يذكر في كتاب القضاء.
المادة: 1739ـ لا يعمل بالوقفية فقط، أما إذا كانت مقيدة في سجل المحكمة الموثوق به والمعتمد عليه على الوجه المبين أعلاه فيعمل بها. اهـ.
قال علي حيدر في درر الحكام في شرح مجلة الأحكام: تحتوي هذه المادة ـ يعني المادة 1736 ـ على ثلاثة أحكام:
الحكم الأول: وهو أنه لا يعمل بالخط فقط، لأن خط الواحد يشبه خط الآخر، فلذلك إذا كان خط زيد مشابها لخط عمرو تماما، وعمل بذلك الخط فيكون قد اتخذ ذلك الخط حجة ودليلا ضد عمرو، ولأنه كما يكتب الخط ليكون حجة ودليلا فإنه يكتب أيضا لتحسين الخط ولتجربة العلم.
الحكم الثاني: لا يحكم بالخاتم فقط، لأنه يشبه الخاتم الآخر، من الممكن حفر خاتم مطابق لخاتم، من الممكن أن يقع في يد آخر خاتم شخص وأن يختم به سندا ضد ذلك الشخص لا سيما إذا توفي صاحب الخاتم فتزيد الشبهة في السند المختوم بخاتم المتوفى، أن النقاش الذي يحفر الخاتم لأحد يستطيع قبل تسليم الخاتم لصاحبه أن يختم على السند الذي رتبه فلذلك لا يعمل بالخاتم فقط، فعليه لو قال المدعى عليه: إن الخاتم الموجود في هذا السند هو خاتمي إلا أنني لم أختمه، وبتعبير آخر لو أقر بالخاتم فقط، فلا يكون قد أقر بالدين، أما لو قال: إن الخاتم ختمي وأنا الذي ختمت السند به، ففي تلك الحال يعمل بالسند.
الحكم الثالث: لا يعمل أيضا بالخط والخاتم معان لأنه مادام يوجد شبهة تزوير في الآحاد فتوجد هذه الشبهة في المجموع أيضا ـ فقط ـ أي ما لم يثبت مضمونه بحجة شرعية أو بشهادة عادلة... اهـ.
وقال أيضا: لا يعمل بالوقفية فقط بلا ثبوت مضمونها، فلذلك إذا ادعى أحد وقفية العقار الذي تحت يد شخص آخر، وأبرز لإثبات دعواه المذكورة وثيقة حاوية خطوط القضاة السابقين والشهود العدول، فلا يحكم القاضي بذلك بوقفية ذلك العقار انظر المادة: 1736ـ بل يطلب شهودا لإثبات مضمون تلك الوقفية، فإذا ثبت مضمون الوقفية بالبينة يحكم بموجبها بعد التعديل والتزكية، أما الوقفية المقيدة في سجل المحكمة الموثوق به والمعتمد على الوجه المبين في المادة الآنفة فلا حاجة لإثبات مضمونها، بل يعمل بها فقط حيث إن الخط والخاتم معمول به إذا كان سالما من شبهة التزوير والتصنيع كما ذكر ذلك في الفقرة الأخيرة المادة: 1736ـ والمعتاد ألا يزور سجل القاضي. اهـ.
والله أعلم.