السؤال
فقدت الخشوع في الصلاة والدعاء وقراءة القرآن، وحتى الأذكار، ولكني حاولت الاستمرار حتى مع ذهاب الخشوع حتى لا أنقطع، ولكن لم أصمد كثيرا، فبعد أن كنت أقوم الليل بخشوع ذهب الخشوع ثم توقفت تماما، حتى الدعاء أشعر بالعجز حينما أحتاج أن أدعو الله وأفتقد الخشوع أصبحت شبه متوقفة، والقرآن بعد أن كان لي ورد يومي أصبحت أقرأه كل يومين أو ثلاثة أيام، كنت بدأت في الحفظ وقاربت على إنهاء جزئين، ولكني أصبحت أجده ثقيلا على قلبي، وعجزت عن حفظ الجديد أو حتى مراجعة القديم ، لم يتبق لي إلا الصلاة والتي تفتقد الخشوع تماما، ولم أعد أستطيع الالتزام بالسنن الرواتب كما كنت أفعل من قبل .. أصبحت أجد أن لا فائدة من العبادة والذكر وهي تفتقد لذتها، ولا تقربني من الله بل أزداد بعدا ..
تُرى ما السبب؟ قلتُ لنفسي ربما معصية، ولكني لا أعلم ما هي، فلا يخلو عبد من المعاصي. وكيف يعاقَب العاصي بزيادة بعده عن الله رغم محاولاته؟ هل الهداية للصالحين فقط؟ وهل يمكن أن تكون عين؟ وكيف لعين أن تصرف عبدا عن العبادة؟! هل تنطبق عليّ هذه الآية "وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ"؟ وما العمل إذاً كيف لي أن أهتدي إن لم يرد الله لي ذلك؟ كيف يكون الإخلاص في العبادة؟ ألا يكفيه البعد عن الرياء؟ أشعر أني بحاجة لأن أُسلم من جديد، ولكن كيف؟ وما الفرق وأنا مسلمة بالفعل؟ إن كان الحل هو طلب العلم الشرعي فهو غير ميسر لي إلا على قدر اجتهادي وقراءتي؛ لأني أدرس الطب، وبالفعل لدي أزمة نفسية؛ لأني أحاول الموازنة بين الاثنين، ولكن كل محاولاتي تبوء بالفشل ، لا عبادة مخلصة ولا حتى علم نافع شرعيا كان أو طبيا أنفع به الناس.. ماذا أفعل؟ وكيف أصرف هذه الأفكار والتساؤلات والاستعاذة لا تكفي ؟ أخشى أن أكون على حافة الإلحاد والعياذ بالله ..
أفتوني جزاكم الله خيرا فرأسي يكاد أن ينفجر بكثرة التساؤلات والآمال الخائبة. عذرا على الإطالة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فزادك الله حرصا على الخير ورغبة فيه، واعلمي أن حزنك على فوات الخشوع ورغبتك في تحصيله دليل على صدق إيمانك، والحمد لله، فما أبعدك -إن شاء الله- عن الإلحاد، وأيا كان سبب ما ذكرت فالشأن الآن في البحث عن العلاج، ولو فرض كون ذلك بسبب عين، فإن الرقية النافعة فيها الدواء -إن شاء الله- ولو فرض أن هذا بسبب معصية، فالتوبة النصوح التي هي وظيفة المسلم في كل وقت علاج ناجع لهذا الداء، ونحب أن نقرر لك قاعدة مهمة في باب السلوك إلى الله تعالى وهي: أن الله لا يخيب سعي ساع أخلص له وقصده صادقا، وأنه تعالى لا يزيد المتقرب منه إلا قربا، فمهما أخلصت لله تعالى واجتهدت في عبادته، فذلك سبيل الخير والتوفيق بإذن الله؛ مصداق قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69} . فدعي عنك مثل هذه الأفكار السلبية التي توهمك أن الله لن يهديك ولن يوفقك ونحو ذلك.
ثم الذي يظهر أن ما أصابك إنما هو من كيد الشيطان لك ومكره بك، ويحتاج هذا منك إلى عزيمة صادقة وإرادة قوية تردين بها كيد هذا الخبيث، وقد أخطأت حين تركت بعض ما كنت تعتادينه من الخير مما زاد الداء حدة والمرض شدة، وكان ينبغي أن تستمري في المجاهدة ومدافعة كيد الشيطان حتى يذهب عنك هذا الداء.
واعلمي أن العبد لا يحصل لذة الطاعة إلا بعد جهد ومصابرة؛ كما وضحنا ذلك في الفتوى رقم: 139680، فعليك أن تستأنفي ما كنت تفعلينه من الخير، وتعودي لما كنت تعتادينه من وجوه البر والتقرب إلى الله، وتعوذي بالله من الشيطان، واجتهدي في تدبر القرآن والتفكر في أسماء الرب تعالى وصفاته، والفكر في الدنيا وسرعة فنائها، والآخرة وما أعد الله لأهلها من الكرامة للسعداء والإهانة للأشقياء، فكل هذا يرقق قلبك ويقبل بك على الله تعالى، وأكثري القراءة في كتب الوعظ والرقائق مثل: مختصر منهاج القاصدين، والداء والدواء، ونحو ذلك، واستعيني بالاستماع للمحاضرات النافعة في هذا الباب آخذة بأسباب الخشوع في الصلاة من إحضار القلب والفكرة فيما ترددينه وتقرئينه، والإعراض عن الدنيا وزخارفها بالكلية، والتعوذ بالله من الشيطان كلما عرض لك خاطر يذهب بالخشوع، وأهم ما يعينك في هذا الباب الدعاء فإنه من أعظم أسلحة المؤمن، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فاجتهدي في دعاء الله تعالى أن يصرف قلبك إلى الهدى، ويبعد عنك أسباب الشقاء والردى، والهجي بذكر الله دائما، واصحبي أهل الخير والصلاح، ونوصيك بقراءة كتاب الخشوع في الصلاة للشيخ محمد الصباغ ففيه فائدة كبيرة -إن شاء الله-
وفقك الله لما فيه رضاه، وأعانك على تحصيل مرادك من التقرب إليه ونيل الزلفى لديه.
والله أعلم.