السؤال
من المعلوم في الإسلام أن الحجاب فرض على المرأة دون الرجل، وفرضُ غض البصر على كليهما، لكن في عصرنا هذا أصبح من الطبيعي في الرجال أنهم لا يغضون البصر في حال وجود الحجاب أو لا، وفي الأماكن العامة، بل بعضهم يتابع عارضات الأزياء، وما شابه على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل الحد ببعضهم إلى مشاهدة الفيديوهات الإباحية، ولا أنسى منظر رجل التفت إلى امرأة متحجبة في كامل عفتها في الشارع، وأمعن بصره في جسدها، حتى غابت عن نظره.
في حال وقوع الرجل في هذه الأمور ألا توجد عقوبة أو حد واضح تجاه عدم غض البصر؟ بينما ترك المرأة للحجاب -حتى لو التزمت بعفتها- يثير بلبلة كبيرة في المجتمع، ويصفها بقله الحياء، فلماذا يجب على المرأة الخوض في عناء الحجاب إذا كان لا يكفيها من نظرات الرجال بكل حال؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلله عز وجل الحكمة البالغة في شرعه وقدره؛ فإنه العليم الحكيم، فلا يشرع إلا لحكمة، ولا يفعل إلا لحكمة- قد نعلمها، وقد نجهلها-، فما علينا إلا الرضا والتسليم، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36}، ولا بأس من التماس الحكمة بعد التسليم لأمره، فإن وجدها المرء ازداد يقينًا على يقينه، وإن لم يجدها لم يؤثر ذلك على رضاه وتسليمه.
وقد فرض الله تعالى الحجاب على المرأة المسلمة، ومن أهم مقاصد ذلك صيانة المجتمع المسلم عن أسباب الفتنة؛ ولذلك كان النظر نوعًا من أنواع الفتنة، كما في الحديث المتفق عليه من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر... الحديث.
ومن حكمة ذلك في حق المرأة دفع الأذية عنها، وقد أشار إلى ذلك القرآن في قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:59}.
وصحيح القول بأن الشرع لم يجعل لإطلاق البصر في النظر إلى النساء حدًّا من الحدود -كما هو الحال في الزنا، وغيره-، وهو في الوقت نفسه لم يجعل لتبرج المرأة حدًّا أيضًا.
وأما عموم العقوبة؛ فإن للحاكم المسلم أن يعاقب تعزيرًا من عرف بإطلاق البصر في النظر للنساء، أو التحرش بهن، وكذا الحال بالنسبة للمرأة المتبرجة له أن يعزرها، ويرجع في تقدير ذلك إلى اجتهاده، والتعزير عقوبة في كل معصية لا حدّ فيها، ولا كفارة، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: وأما التعزير ففي كل معصية لا حدّ فيها، ولا كفارة... اهـ.
وقولك: لماذا يجب على المرأة الخوض في عناء الحجاب إذا كان لا يكفيها من نظرات الرجال بكل حال؟
جوابه في سؤال أيضًا، وهو: هل من الحكمة والعدل التسوية بين المرأة وهي في حجابها، والمرأة المتبرجة؟ فالأولى لا يصوب النظر فيها ويصعده إلا مريض القلب باحث عن الحرام، وهو مفتون أصلًا. والثانية قد تكون سببًا في فتنة كل أحد حتى الصالحين من الناس.
والله أعلم.