السؤال
أعلم أنَّ المشروع، المقصود به الواجب والمسنون، ويُرادُ به عند البعض المُباح، ولكن إذا قيل عن شيء إنَّهُ غير مشروعٍ. فكيف نعلم هل المقصود بذلك أنِّي إذا فعلته أكون قد ارتكبت مُحَرَّمًا، أو مكروهًا، أو تركت واجبًا، أم خلاف الأولى، أم غيره؟
فمثلًا إذا كنت ممَّن يتَّبع شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله بعدم مشروعية صلاة الغائب، على من مات ببلدةٍ صلَّى عليه فيها النَّاس، فإذا صلَّيت صلاة الغائب، أكون قد ارتكبت إثمًا أم مَّاذا؟
وعلى قول من يقول بعدم مشروعية قراءة الفاتحة للمأموم خلف إمامه، في السريَّة أو الجهريَّة، إذا قرأتها، أكون قد ارتكبت إثمًا أم مَّاذا؟
وعلى قول من يقول بعدم مشروعية التسليم لقطع الصلاة، وأنَّه يقوم بفعلٍ منافٍ للصلاة فقط، إذا فعلت ذلك أكون قد ارتكبت إثمًا أم مَّاذا؟
وقد حاولت ذكر بعض الأمثلة البسيطة؛ حتَّى يتَّضِح سؤالي، فأرجو أن تجيبونى إجابةً شافيةً، وأسأل الله أن يرضى عنكم، وأشهدكم أنِّي أحبُّكُم في الله.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فكلمة: "غير مشروع" إذا أطلقت في كلام الفقهاء، يقصد بها ما ليس واجباً ولا مسنوناً، فلا يستفاد منها عند الإطلاق حرمة ولا كراهة، ولكن يستفاد منها عدم الوجوب، وعدم الاستحباب، وأما الحرمة أو الكراهة، فقد تستفاد من دليل آخر.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في الشرح الممتع على زاد المستقنع: .. كلمة «لا يُشرع» تشمَل الواجب والمستحب، فالواجب يُقال له: مشروع، والمستحبُّ يُقال له: مشروع؛ لأن كلًّا منهما مطلوب من الإنسان، ومشروع أن يفعله. فقوله: «لا يُشرع السجود لتركه»، أي: لا يجب ولا يُسَنّ.
وقال: هذا الذي ذكره المؤلف ـ مِن كونه لا يُشرع السجود لتركه، وأنه إنْ سجد فلا بأس به ـ يدلُّ على قاعدة مفيدة وهي: أنَّ الشيء قد يكون جائزاً، وليس بمشروع، أي: يكون جائزاً أن تتعبَّد به، وليس بمشروع أن تتعبَّد به، وقد ذكرنا لهذا أمثلة فيما سبق يحضرنا منها: أولاً: فِعْلُ العبادة عن الغير، كما لو تصدَّقَ إنسان لشخص ميت، فإن هذا جائز؛ لكن ليس بمشروع، أي: أننا لا نأمر الناس بأن يتصدَّقوا عن أمواتهم. اهـ.
والله أعلم.