السؤال
أخي يستمع إلى الموسيقى بصوتٍ عالٍ، بحيث يسمعها من حوله، ونجلس معًا في غرفةٍ واحدةٍ، وأنا أطالبه كثيرًا بأن يكفَّ عن ذلك، ولكنَّه لا يستجيب، فاقترحت عليه أن أشتري له سمَّاعةً يسمع بها وحده ما يريد، بشرط ألَّا يقوم بتشغيل الموسيقى مطلقًا أمامي إلَّا وهو يسمع بهذه السمَّاعة؛ حتَّى لا أسمع منها شيئًا، فوافق على ذلك، وكان غرضي ممَّا فعلت ألَّا أسمع شيئًا من هذه المحرَّمات، وأن أُبعد أخي عن ذنب إسماع غيره الموسيقى، والأغاني، فهل هذا من الإعانة على المنكر، أم إني مأجورٌ -بإذن الله- مُثَابٌ على ذلك؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أتت الشريعة بتحصيل المصالح وتكميلها، وتقليل المفاسد وتعطيلها، وبين أهل العلم أنه إذا تعارضت مفسدتان، احتملت أدناهما؛ وإذا تعارضت مصلحتان، حصلت أعلاهما، قال ابن القيم -رحمه الله-: وَإِذا تَأَمَّلت شرائع دينه الَّتِي وَضعهَا بَين عباده، وَجدتهَا لَا تخرج عَن تَحْصِيل الْمصَالح الْخَالِصَة، أَو الراجحة بِحَسب الْإِمْكَان، وان تزاحمت قدم أهمها وأجلها، وَإن فَاتَت أدناهما، وتعطيل الْمَفَاسِد الْخَالِصَة، أَو الراجحة بِحَسب الْإِمْكَان، وَإن تزاحمت عطل أعظمها فَسَادًا بِاحْتِمَال أدناهما، وعَلى هَذَا وضع أحكم الْحَاكِمين شرائع دينه، دَالَّة عَلَيْهِ، شاهدة لَهُ بِكَمَال علمه وحكمته، ولطفه بعباده. انتهى.
وعليه؛ فإذا كان هذا الشخص لا ينتهي عن المنكر مهما وعظ، ولا يكف عن سماع المحرمات، ولم يكن من سبيل إلى تقليل الشر والفساد بأن يكف عنكم هذه الموسيقى إلا بما فعلت، فالذي نرى -والعلم عند الله تعالى- هو أن ما فعلته أمر حسن مشروع، يرجى لك به المثوبة -إن شاء الله-، وليس هو إعانة على الإثم والعدوان؛ لأن الإثم حاصل بهذا الفعل وبدونه، ولكنه تقليل للشر والفساد، على أن هذا لا ينبغي أن يثنيك عن مواصلة نصحه، ووعظه، وتذكيره بالله تعالى حتى يتوب عما يتعاطاه من المنكر.
والله أعلم.