السؤال
صديق يعمل بأحد مكاتب الخدمات العامة، ولكن المعاملات لا تنجز إلا عن طريق إكراميات لموظفين في بعض الجهات، فما حكم عمله في المكتب، علما بأنه على كفالة المكتب، وفي حالة طلبه نقل الكفالة أو الخروج النهائي فسيقابل بالرفض، ويمكن أن يضره كفيله؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإكراميات التي تدفع لموظفي الجهات الحكومية لإنجاز المعاملات في الأصل ما هي إلا رشوة محرمة سميت بغير اسمها لستر شناعتها! جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: لا يجوز دفع شيء من المال إلى الموظف من أجل إنهاء المعاملة التي لديه، لأن هذا رشوة محرمة، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، والراشي: دافع الرشوة، والمرتشي آخذ الرشوة، والرائش هو: الوسيط بينهما. اهـ.
وقد سئلت اللجنة الدائمة أيضا: بعض الموظفين إذا ذهبت إليهم لقضاء بعض الحاجات المتعلقة بدائرتهم لا يقضونها إلا بعد دفع شيء لهم، وإذا لم تدفع أخذوا يماطلون بك، ويتعللون ببعض الأعذار، وربما يكون الأمر مهما والوقت ضيقا، فهل يجوز أن يعطى هذا الإنسان شيئا بسبب الضرورة بنية الهدية؟ فأجابت: لا يجوز دفع شيء من المال إلى الموظف من أجل إنهاء المعاملة التي لديه، لأن هذا رشوة محرمة، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، والراشي: دافع الرشوة، والمرتشي آخذ الرشوة، والرائش هو: الوسيط بينهما. اهـ.
هذا هو الأصل العام، ويستثنى من ذلك إن كان لطالب المعاملة الحق في إنجازها، لكن مُنع منها ظلما، ولم يقدر على تحصيل حقه إلا بدفع مال، فحينئذ لا إثم عليه، والإثم على الموظف الآخذ، قال الخطابي: الراشي المعطي، والمرتشي الآخذ، وإنما يلحقهما العقوبة معا إذا استويا في القصد والإرادة، فرشا المعطي لينال به باطلا ويتوصل به إلى ظلم، فأما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق أو يدفع عن نفسه ظلما، فإنه غير داخل في هذا الوعيد، وروي أن ابن مسعود أخذ في شيء وهو بأرض الحبشة فأعطى دينارين حتى خلي سبيله، وروي عن الحسن والشعبي وجابر بن زيد وعطاء أنهم قالوا لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم، وكذلك الآخذ إنما يستحق الوعيد إذا كان ما يأخذه إما على حق يلزمه اداؤه، فلا يفعل ذلك حتى يرشا، أو عمل باطل يجب عليه تركه فلا يتركه حتى يصانع ويرشا. اهـ.
وإما عمل الموظف في هذا المكتب: فإن كان مقتصرا على مزاولة أعمال مباحة ليس لها علاقة مباشرة بالتعامل بالرشوة المحرمة، فلا يظهر حرج في العمل حينئذ، وإن كان الأسلم والأحوط ترك العلم في مثل هذه المكاتب بالكلية، وانظر الفتوى رقم: 338200.
وأما إن كان عمله يقتضي إعانة على التعامل بالرشوة المحرمة فيكون العمل فيه لا يجوز، لأنه من القواعد المقررة في الشرع أن الإعانة على معصية الله محرمة، لقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
قال ابن تيمية: إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثمًا، لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها، وأكثر هؤلاء كالعاصر، والحامل، والساقي، إنما هم يعاونون على شربها، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالًا محرمًا، كقتال المسلمين، والقتال في الفتنة. اهـ.
وأما ما ذكرته بقولك: علما بأنه على كفالة المكتب، وفي حالة طلبه نقل الكفالة أو الخروج النهائي، فسيقابل بالرفض، ويمكن أن يضره كفيله ـ فإن الذي يسوغ للموظف المضي في الوظيفة المحرمة هو اضطراره لذلك العمل، وقد سبق أن بينا ضابط الضرورة التي يرخص بسببها في الكسب المحرم، وذلك في الفتوى رقم: 237145.
والمرء فقيه نفسه في تنزيل ضابط الضرورة على حالته وظروفه.
والله أعلم.