السؤال
تزوجت، وطلقني زوجي مرتين، والمرة الثانية كانت طلاقا بائنا، وانتهت العدة، ثم تقدم مرة أخرى ليتزوجني من جديد. وبعد عدة جلسات اتصل بي على الهاتف ليعرف رأيي، ويأتي لاصطحابي، فهو يعيش في محافظة غير محافظة أهلي، وأبديت موافقتي، وجاء في اليوم التالي ليأخذني مباشرة باعتبار أني أنا وأولادي قد وافقنا، ولم يكن قد سجل أيا من الطلقات لدى المحكمة. فأخبرته بأن ما أعلمه أنه لا يصح العقد إلا إذا تم إعادة نطق صيغة العقد بينه وبين أبي، ويكون ذلك أمام شاهدين على الأقل، ووقتها لم يكن في بيتي غير أبي وأمي، وأخي. فطلبنا من خال لي الحضور ليكون شاهدا ثانيا مع أخي. وتم نطق صيغة الزواج أمام أخي وخالي فقط، وسافرت معه بعد تجهيز شنطتي، أي بعد ساعة تقريبا إلى بيته، ودخل بي هناك. المهم أنه بعد سنة طلقني الطلقة الثالثة. وجلست أدعو الله كثيرا أن يجعل لي مخرجا، وحينها انتبهت إلى أن خالي الشاهد في العقد لا يصلي إطلاقا، وأنا أعلم أن هذا يبطل شهادته، ولكن حينما نطقنا صيغة العقد لم نفكر في ذلك، فقد كان زوجي يريد السفر بسرعة؛ ولذلك طلبنا أسرع شخص ليأتي إلينا.
فهل كون هذا الخال الذي لا يصلي أحد الشاهدين، يبطل العقد، ونكون قد تطلقنا مرتين فقط أم ماذا؟
أفيدوني من فضلكم. وإن كان العقد باطلا فهل علي عدة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فترك الصلاة من أكبر الكبائر، لكن أهل العلم اختلفوا في حكم تاركها بغير جحود، والجمهور على فسقه، وعدم خروجه من الملة. كما اختلف أهل العلم في اشتراط عدالة الشهود في النكاح، بل اختلفوا في اشتراط الإشهاد على عقد النكاح.
وعليه، فما دام العقد تم بحضور شاهدين، واعتقدتما صحته، فلا يسوغ بعد ذلك أن ترجعوا وتشككوا في صحة هذا العقد بعد حصول الطلاق الثالث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله): وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْوَلِيِّ هَلْ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، لِيَجْعَلَ فِسْقَ الْوَلِيِّ ذَرِيعَةً إلَى عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ وِلَايَةَ الْفَاسِقِ، وَأَكْثَرُهُمْ يُوقِعُونَ الطَّلَاقَ فِي مِثْلِ هَذَا النِّكَاحِ، بَلْ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ.
وَإِذَا فَرَّعَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِيهِ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِلَّ الْحَلَالَ مَنْ يُحَرِّمُ الْحَرَامَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّيْءَ حَلَالًا حَرَامًا، وَهَذَا الزَّوْجُ كَانَ يَسْتَحِلُّ وَطْأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَلَوْ مَاتَتْ لَوَرِثَهَا، فَهُوَ عَامِلٌ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَكَيْفَ يَعْمَلُ بَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى فَسَادِهِ؟ فَيَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي صِحَّتِهِ، فَاسِدًا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي فَسَادِهِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ حِلَّ الشَّيْءِ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَافَقَ غَرَضَهُ أَوْ خَالَفَهُ، وَمَنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ فِي الْحَالَيْنِ.
وَهَؤُلَاءِ الْمُطَلِّقُونَ لَا يُفَكِّرُونَ فِي فَسَادِ النِّكَاحِ بِفِسْقِ الْوَلِيِّ إلَّا عِنْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، لَا عِنْدَ الِاسْتِمْتَاعِ وَالتَّوَارُثِ، يَكُونُونَ فِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُفْسِدُهُ، وَفِي وَقْتٍ يُقَلِّدُونَ مَنْ يُصَحِّحُهُ؛ بِحَسَبِ الْغَرَضِ وَالْهَوَى، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ. الفتاوى الكبرى لابن تيمية.
وعليه، فقد وقع طلاقك الثالث، وبنت من زوجك بينونة كبرى، وعليك الاعتداد من الطلاق، حتى على القول بفساد النكاح.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: والموطوءة بشبهة، تعتد عدة المطلقة، وكذلك الموطوءة في نكاح فاسد. المغني لابن قدامة.
ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، وأن يفرج همك.
والله أعلم.