السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
في سورة الطور بعض الملاحظات، كالتالي:
يقول الحق في آية 11 (فويل يومئذٍ للمكذبين) ووصف المكذبين بأنهم (الذين هم في خوض يلعبون)، ثم تكلم بعد ذلك عن المتقين في آية 17، ثم عن الذين آمنوا في آية 21.
ثم تكلم بعد ذلك عن فئة لم يحدد ما هي، يحتمل أن يكونوا المكذبين المذكورين في آية: 11، وذلك ابتداء من قوله تعالى: (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون) آية 30، إلى الآية 46، ثم يذكر بعد ذلك في الآية 47 (الذين ظلموا) في قوله تعالى: (وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون).
فهل الذين ظلموا غير المكذبين المذكورين في آية 11، وما معنى (دون ذلك)؟
أرجوا الرد، وشكراً.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بالقوم المذكورين في آية 30 وما بعدها، هم كفار قريش، وهم داخلون في جملة المكذبين.
ففي تفسير ابن كثير: يقول تعالى آمرا رسوله، صلوات الله وسلامه عليه، بأن يبلغ رسالته إلى عباده، وأن يذكرهم بما أنزل الله عليه. ثم نفى عنه ما يرميه به أهل البهتان والفجور فقال: {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون} أي: لست بحمد الله بكاهن كما تقوله الجهلة من كفار قريش. والكاهن: الذي يأتيه الرئي من الجان بالكلمة يتلقاها من خبر السماء، {ولا مجنون} : وهو الذي يتخبطه الشيطان من المس.
ثم قال تعالى منكرا عليهم في قولهم في الرسول، صلوات الله وسلامه عليه: {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون} أي: قوارع الدهر. والمنون: الموت: يقولون: ننظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت، فنستريح منه ومن شأنه، قال الله تعالى: {قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} أي: انتظروا فإني منتظر معكم، وستعلمون لمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة.
قال محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس: أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم: احتبسوه في وثاق، ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك، كما هلك من هلك قبله من الشعراء: زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم. فأنزل الله في ذلك من قولهم: {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون}. اهـ.
وفي تفسير القرطبي: قوله تعالى: (فذكر) أي فذكر يا محمد قومك بالقرآن. (فما أنت بنعمة ربك) يعني برسالة ربك (بكاهن) تبتدع القول وتخبر بما في غد من غير وحي. (ولا مجنون) وهذا رد لقولهم في النبي صلى الله عليه وسلم، فعقبة بن أبي معيط قال: إنه مجنون، وشيبة بن ربيعة قال: إنه ساحر، وغيرهما قال: كاهن، فأكذبهم الله تعالى ورد عليهم. اهـ.
وأما المراد بالظالمين، فهم الكفار المكذبون، وقد عدل عن الإضمار فأظهر؛ لبيان سبب عذابهم وهو الظلم والكفر.
وأما قوله: دون ذلك، فيشمل ما يسبق عذاب الآخرة من عذاب الدنيا، بالقتل والسبي، والإخراج من الديار، وعذاب القبر.
ففي تفسير النسفي: {وإن للذين ظلموا} وإن لهؤلاء الظلمة {عذابا دون ذلك} دون يوم القيامة وهو القتل ببدر، والقحط سبع سنين، وعذاب القبر. اهـ.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير: قوله تعالى: وإن للذين ظلموا. أي: أشركوا، عذابا دون ذلك، أي: قبل ذلك اليوم، وفيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه عذاب القبر، قاله البراء، وابن عباس.
والثاني: عذاب القتل يوم بدر، وروي عن ابن عباس أيضا، وبه قال مقاتل.
والثالث: مصائبهم في الدنيا، قاله الحسن، وابن زيد.
والرابع: عذاب الجوع، قاله مجاهد. اهـ.
وفي تفسير السعدي: لما ذكر [الله] عذاب الظالمين في القيامة، أخبر أن لهم عذابا دون عذاب يوم القيامة، وذلك شامل لعذاب الدنيا، بالقتل والسبي والإخراج من الديار، ولعذاب البرزخ والقبر. اهـ.
والله أعلم.