السؤال
إذا رأى شخص شيئا يكرهه في منامه، وحدث به غيره. ماذا يفعل لكيلا يُؤذى؟ أم لا بد أن يؤذى مادام قد حدث به؟
إذا رأى شخص شيئا يكرهه في منامه، وحدث به غيره. ماذا يفعل لكيلا يُؤذى؟ أم لا بد أن يؤذى مادام قد حدث به؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم عدة آداب لمن رأى في منامه ما يكرهه، ومن جملتها: ألا يحدث بها أحدا! فمن فاته هذا الأدب، فليستمسك ببقيتها. وأعظمها: التوكل على الله تعالى، وحسن الظن، والاستعاذة به من شر ما رأى، ومن شر الشيطان الرجيم.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: حاصل ما ذكر من أدب الرؤيا المكروهة، أربعة أشياء: أن يتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وأن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثلاثا، ولا يذكرها لأحد أصلا. اهـ.
وأثر الاستعاذة في حصول السلامة، أعظم بكثير من أثر كتمان الرؤيا وعدم التحدث بها، ومن الخطأ تعليق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإنها لن تضره" في حديث: "إذا رأى ما يكره، فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثا، ولا يحدث بها أحدا؛ فإنها لن تضره" متفق عليه. أو حديث: "وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره" رواه البخاري. من الخطأ تعليقها على مجرد عدم التحدث بها، وإنما الصواب أن ذلك معلق بجملة الآداب المذكورة في الحديث، وأعظمها الاستعاذة بالله تعالى من شر الشيطان وشر ما رأى.
قال القسطلاني في إرشاد الساري: (فإنها لا تضره) لأن ما فعله من التعوذ والنفث، سبب للسلامة من المكروه المترتب عليها، كالصدقة تكون سببًا لرفع البلاء، وفي النفث إشارة لطرد الشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة، وتحقير له، واستقذار لفعله. اهـ.
وقال في موضع آخر: (ولا يحدّث بها أحدًا فإنها) أي الرؤيا المكروهة (لن تضره) لأن ما ذكر من التعوّذ وغيره، سبب للسلامة من ذلك. اهـ.
وقال ابن الملقن في التوضيح: وأما إذا رأى ما يكره، فقد أمره الشارع بمداواة ما يخاف من ضرها وتلافيه: بالتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، ويتفل عن شماله ثلاثا، ولا يحدث بها أحدا؛ فإنها لن تضره. قال الداودي: يريد ما كان من الشيطان، وأما ما كان من الله من خير أو شر فهو واقع لا محالة، كرؤيا الشارع في البقر والسيف. اهـ.
وفي هذا تنبيه مهم لمن يحذر من شر رؤيا رآها، فينبغي أن يعلم أن قدر الله نافذ، وأن الحذر لا يغني من القدر، وإنما ينفع المرء إقباله على الله، ولجوؤه إليه، واستعانته به، والإلحاح في سؤاله ودعائه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل، فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه الحاكم وصححه، وحسنه الألباني.
وقد سبق لنا ذكر خطوات عملية لتجنب سوء القضاء، وذلك في الفتوى رقم: 123214. وراجع في وسائل دفع الرؤيا المفزعة الفتوى رقم: 11014.
ولا ينبغي بعد ذلك أن ينهمك المرء في تذكر رؤياه، والتخوف منها، وترقب تأويلها، فإن هذا من أسباب نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التحدث بها.
قال ابن بطال في شرح البخاري: إن قال قائل: قد تقدم من قولك: قد يكون من ضروب الرؤيا منذرة ومنبهة للمرء على الاستعداد للبلاء قبل وقوعه؛ رفقا من الله لعباده؛ لئلا يقع وعلى غرة فيقتل، وإذا وقع على مقدمة وتوطين، كان أقوى للنفس، وأبعد لها من أذى البغتة، وقد سبق في علم الله إذا كانت الرؤيا الصحيحة من قبل الله محزنة، أن تضر من رآها، فما وجه الحكمة في كتمانها؟
قال المهلب: فالجواب أنه إذا أخبر بالرؤيا المكروهة، لم يأمن أن تفسر له بالمكروه فيستعجل الهم، ويتعذب بها ويترقب وقوع المكروه به، فيسوء حاله، ويغلب عليه اليأس من الخلاص من شرها، ويجعل ذلك نصب عينيه، وقد كان داواه النبي عليه السلام من هذا البلاء الذي كان عجله لنفسه بما أمره به من كتمانها، والتعوذ بالله من شرها، وإذا لم تفسر له بالمكروه، بقي بين الطمع والرجاء المجبولة عليه النفس أنها لا تجزع، إما لأنها من قبل الشيطان، أو أن لها تأويلا آخر على المحبوب، فأراد -عليه السلام- أن لا تتعذب أمته بانتظارهم خروجها بالمكروه، كأن الرؤيا قد يبطؤ خروجها، وعلى أن أكثر ما يراه الإنسان مما يكرهه فهو من قِبل الشيطان، فلو أخبر بذلك كله لم ينفك دهره دائما من الاهتمام بما لا يؤذيه أكثره، وهذه حكمة بالغة، واحتياط على المؤمنين، فيجزي الله نبينا عنا خيرا صلى الله عليه سلم. اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني