السؤال
أنا شخص متزوج منذ أربع سنوات، ولديّ أبناء، وأحب زوجتي، وهي كذلك، ولكنها دائما تمنعني عن حقي في الفراش، وكنت أعاقبها بالهجر، وعدم مكالمتها لأيام؛ فترجع إليّ، لكنها تعود للتمنع، وكأنها تكرهني، وقد سئمت هذا الوضع، وأحيانًا أفكر في الطلاق، لكني لا أريد أن أهدم أسرتي، فماذا أفعل؟ جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فامتناع الزوجة عن إجابة زوجها إلى الفراش -إن لم يكن لها فيه عذر شرعي- محرم، وهو من موجبات اللعن؛ ولذا فإنه كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أسباب سخط علام الغيوب، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح، وفي رواية مسلم: والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها، فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها، حتى يرضى عنها.
فالأمر خطير، وقد تجهله كثير من النساء.
فإن كانت زوجتك على الحال الذي ذكرته عنها، فهي ناشز.
وعلاج النشوز يكون في خطوات، ليس الهجر بأولها، فيسبقه الوعظ، فإن لم يُجْدِ، فالهجر، فإن لم ينفعها، فالضرب غير المبرح، قال تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}.
فإن استجابت زوجتك، ورجعت لرشدها، فذاك، وإلا فتحكيم العقلاء من أهلك وأهلها، كما قال سبحانه: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}.
وطلاقها ليس بلازم، وقد لا يكون الأصلح دائمًا، فإن رأيت أن تصبر عليها من أجل الحفاظ على كيان الأسرة، ورعاية للأولاد، فلك ذلك، واستمر في محاولة إصلاحها، ولا تيأس، فالله عز وجل قادر على أن يصلحها في لحظة، فالجأ إليه بالتضرع والدعاء، فقد وعد بإجابة من دعاه، حيث قال: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}، وراجع للمزيد الفتوى رقم: 119608، وهي عن آداب الدعاء.
وإن استحالت العشرة معها، وظهر لك رجحان مصلحة الطلاق، فلك ذلك، فقد روى الحاكم في المستدرك، والبيهقي في سننه، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة فلم يطلقها..... الحديث.
وهذا الحديث لا يدل على وجوب فراق المرأة سيئة الخلق، وإنما يدل على جوازه ونفي كراهته، قال الجصاص -رحمه الله-: أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ مَعَهُ مَنْ لَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ، فَلَمْ يُطَلِّقْهَا. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ لَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ الْخُلُقِ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَإِنَّمَا هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ تَارِكٌ لِلِاحْتِيَاطِ، وَالتَّوَصُّلِ إلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِيهِ الْمَخْرَجَ وَالْخَلَاصَ. اهـ.
والله أعلم.