السؤال
أبي الآن عمره 63 تقريبًا، ومصاب بجلطة ثانية من 6 أشهر أقعدته فوق الكرسي المتحرك؛ لعدم قدرته على المشي إلا بمساعدة أحد، وأنا البنت الصغرى، ولديّ أخت متزوجة، وأخ يكبرنا متزوج في بيتنا، وأبي حاله متقلب، لا تستطيع أن تفهمه، بمعنى أدق أبي بعيد عنا طول العمر: يأتي من العمل يتغدى معنا، وينشغل بعدها إلى الليل بأعمال، تكون بعض الأحيان غير مهمة، وهكذا طول عمره، ويوم إجازته كارثة؛ لأن المشاكل تكثر، والبيت يصبح كئيبًا، هذا في فترة عمله، وما كان يجلس معنا إلا يسيرًا ليتحدث معنا، وبعد أن تقاعد انشغل بالخروج والرجوع ليشغل نفسه، ولكل منا ما يشغله، ولكل منا ما يعمله، وهو كذلك، وأما البعد فهو مستمر، وإن تكلم معنا، ففي النهاية تكون بمشكلة؛ حتى –والله- إنني كرهت الجلوس معه؛ لأنه حديثه فيه رفع للصوت وصياح، وفي النهاية تختم بمشكلة.
وأمي هي من كانت تجلس معنا في وحدتنا في غيابه، وحديثنا يكون معها، وخروجنا معها، وجلوسنا معها، بل وصلنا لحد نضيق إذا أتى أبي للجلوس معنا؛ لعدم تعودنا، ولأننا نعرف الخاتمة، وأبي لا يتفهم، حتى إنه يصيح ولو كان مخطئًا ويقول: أنا المصيب، ويلزمني أن أطبخ وأن أجلس بجانب الغداء؛ لأنه يظن أن زوجة أخي تضع له سحرًا في الأكل، ووالله إنني أحاول أن ألبي له كل طلباته، لكن قلبي لا يستطيع.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته لم يتضمن سؤالًا معينًا.
وإن كان أبوك على الحال المذكور في التعامل معكم، فلا شك في أن هذا نوع من البلاء العظيم، والبلاء علاجه الصبر، فإذا صبرت ابتغاء مرضات الله تعالى نلت عالي الدرجات، وتكفير السيئات -بإذن رب الأرض والسماوات-، ولمعرفة فضائل الصبر، انظري الفتوى رقم: 18103.
ومهما أساء فإنه يبقى أبًا، حقه على أولاده بره، والإحسان إليه، عقد البخاري في كتابه الأدب المفرد، بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا، فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه, قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه.
وهذا يدل على عظيم فضل بر الوالدين، وأنه قربة من أعظم القربات.
وفي المقابل؛ فإن عقوق الوالدين من أخطر الذنوب، بل هو كبيرة من الكبائر، وراجعي الفتويين: 366349، 73417. وقد أحسنت بخوفك من الوقوع في العقوق.
ويجب عليك طاعة أبيك في المعروف، وفيما لا يلحقك فيه ضرر، واحتملي ما قد تجدين من مشقة؛ لتكسبي رضا أبيك، وفي رضاه رضا ربك سبحانه، وهو مما ستفرحين به الفرح الأعظم في ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.
وراجعي مزيد الفائدة الفتوى رقم: 76303.
وننبه إلى أنه لا يجوز لأبيك أن يتهم زوجة أخيك بأنها تعمل له السحر من غير بينة، فالأصل في المسلم السلامة حتى يتبين أنه على خلافها، كما هو مبين في الفتوى رقم: 49555.
والله أعلم.