السؤال
أرجوكم ساعدوني، حياتي أصبحت كالجحيم بسبب ذنبي الذي لا أستطيع تركه، أنا مبتلى بالإباحية والعادة السرية، وأعلم أنها من كبائر الذنوب، غير أني مهما حاولت الإقلاع أقع فيها مرة أخرى، ومن كثرة المعاصي أحس بأن الله قد غضب عليّ؛ لأني أصبحت ثقيلا على الطاعة، ومسرعا في المعصية، حرمت من أشياء كثيرة مثل تلاوة القرآن، فقد كنت أقرأ جزءا أو أكثر في اليوم، الآن أحس بعدم الرغبة في القراءة، وقيام الليل كنت أقوم بجزء أيضا، وصلاة الضحى، وكنت أخصص وقتا قبل الفجر للوتر، وبعد الوتر الدعاء، حتى في الدعاء أشعر أنه مجرد كلام أقوله، ولا أجد قلبي خاشعا من ذل موقفي بين يدي الله، تركت الوتر أيضا، ولا أحس بخشوع قلبي أبدا من كثرة الذنوب المطبوعة عليه، ودعوت الله كثيرا أن ينجيني مما أنا فيه، لكن ما زلت عاكفا على المعصية؛ حتى أنني بدأت أشعر أن الله لا يستجيب لي من كثرة ذنوبي.
هل ما أنا فيه هو فعلا غضب من ربي عليَّ؟ وإن لم يكن غضبا فكيف أرجع نفسي للحال الصالح الذي كنت فيه؟ كيف أجعل نفسي سريعة في الطاعة، وبطيئة في المعصية؟ كيف أتجنب ذنوب الخلوات؟ مع العلم أن فكرة تجنب الخلوة مستحيلة بالنسبة لي؛ لأني أقوم بالسهر لصلاة الفجر، وجميع أهل بيتي يكونون نائمين.
أرجوكم ساعدوني.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم -هداك الله- أن شعورك بالذنب والتقصير، وتألمك لما يقع منك من التفريط هو علامة خير بإذن الله، وهو دليل على حياة قلبك، فإن الميت لا يشعر بالألم، بقي عليك أن تستغل هذا الشعور الطيب بالندم والحزن على التفريط للبدء في صفحة جديدة في علاقتك بالله تعالى، ملؤها طاعة الله، والكف عن الذنوب، والإقلاع عن الآثام، واعلم أن من آفات المعاصي أنها تبعد عن الله تعالى، وتصد عن الطاعات، وأنها تولد أخواتها، وتحمل على نظائرها، والعاقل كل العاقل هو من لا يسمح لنفسه بالاسترسال في المعاصي والانهماك في الشهوات، وكلما أذنب بادر بالتوبة النصوح، وإن تكرر منه الذنب في اليوم ألف مرة، فاعلم أن ربك تعالى غفور رحيم، وهو سبحانه عفو بر كريم، فلا تيأس من عفوه ومغفرته، وأقبل عليه بكليتك متوكلا عليه في التوبة إليه، وجاهد نفسك بإخلاص وصدق، وهو سبحانه متى اطلع منك على الصدق في اللجأ إليه، فإنه يعينك، ويأخذ بناصيتك إلى الخير، وكلما أذنبت فافعل من الحسنات ما تتدارك به شر تلك السيئات لا العكس، وذلك أن الحسنات يذهبن السيئات، ويعينك على التخلص من تلك الآفات أن تكثر من الدعاء، وتصدق في التوكل على الله تعالى، وتَجِدّ في مجاهدة نفسك، وتبتعد عن الأسباب التي من شأنها أن توقعك في هذا، وتصحب أهل الخير والصلاح ممن تعينك صحبته على طاعة الله تعالى، وتتفكر في أسماء الرب وصفاته، وتحذر غضبه وعقوبته، وتتفكر في الموت، وتستحضر أنه قريب جدا، وتتفكر في القيامة وما فيها من الأهوال العظام والخطوب الجسام، نسأل الله أن يرزقنا وإياك توبة نصوحا، وأن يهدينا وإياك صراطه المستقيم.
واحذر كل الحذر من أن يوصلك الشيطان إلى القنوط من رحمة الله تعالى، فذلك من أعظم ما يسعى إليه حتى يصد به المؤمن عن التوبة، ويخيل إليه أنه لا فائدة منها، ولا من طاعة الله تعالى بالنسبة له، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 71116 // 103705 // 109739 // 113462 // 179625 .
والله أعلم.