السؤال
أنا أسرق منذ صغري دائما، بحيث أصبحت عادة لدي، أنا عمري 21 سنة، طالبة جامعية، ولا أعمل. منذ صغري اعتدت أن أسرق مالا من أمي وأبي وأخواتي الثلاث فقط؛ بحكم أنهن أكبر مني بكثير، ويعملن، ولديهن راتب، وهن متزوجات، وأنا الصغيرة، كنت أتوقف عن السرقة وأعود، ولكن سمعت مرة وتأكدت أن السارق دعوته لا تجاب حتى يرد المال المسروق لأصحابه، ورغم أنها مبالغ بسيطة جدا، وأستطيع ردها بمجرد أن أتخرج وأعمل؛ إلا أني توقفت عن الدعاء منذ عامين تقريبا؛ لعلمي أن دعائي لن يكون مجابا حتى أرد ما سرقت، ولعلمي أني لا أستطيع رده الآن، والمشكلة أني لا زلت أسرق، وأعتبره دينا، وسأرجعه يوما ما، ومن كثرة ما أشعر أني بعيدة عن الله - أشعر بأنه لن يسامحني، وأشعر بأني لا أستحق أن يسامحني؛ لأنني جعلت من السرقة عادة، وحتى لا أعلم كم المبالغ تحديدا، لكن هي جدا بسيطة. أخجل من التوبة؛ لأني أعرف بداخلي أنني لست نادمة رغم اشتياقي لله، وأشعر بأني حقا وحيدة بدون الله، وأفتقد حديثي معه، وشعوري بالثقة والاطمئنان، حينما أشعر بأنه يسمع دعائي. ماذا أفعل؟ ضرورة إرجاع ما سرقته يشعرني بالثقل، وأنه دين معلق بي ويجعلني أيأس.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت علمت أنّ أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء، فقد كان عليك أن تتركي أكل الحرام، لا أن تتركي الدعاء.
مع أنّ عدم إجابة الدعاء لمن يأكل الحرام ليست لازمة في كل حال، فقد يستجيب الله تعالى دعاءه بفضله وكرمه، قال القرطبي –رحمه الله- : أي كيف يستجاب له على جهة الاستبعاد، ومعناه أنه ليس أهلًا لإجابة دعائه، لكن يجوز أن يستجيب الله له تفضلًا ولطفًا وكرمًا. اهـ
وإذا كنت عاجزة عن رد المسروق أو استحلال أصحابه، فقد كان عليك العزم على الرد عند القدرة، لا أن تعودي إلى السرقة، وتستسلمي لوساوس الشيطان، وإيحائه لك باليأس من قبول التوبة، فالتوبة مقبولة مهما عظم الذنب، ومهما عاود الإنسان فعل الذنب، ما دام صادقاً في توبته، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ {البقرة:222}، قال ابن كثير –رحمه الله- : أي: من الذنب وإن تكرر غشْيانه. اهـ
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. الزمر (53)
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : قال: سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله : يا ابن آدم ، إِنَّكَ ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني : غفرتُ لك على ما كانَ مِنكَ ، ولا أُبالِي ، يا ابنَ آدمَ ، لو بلغتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ ، ثم استَغْفَرتَني : غَفَرْتُ لك ، ولا أُبالي ، يا ابنَ آدم إِنَّكَ لو أتيتني بِقُرابِ الأرض خَطَايا ، ثم لَقِيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئا : لأَتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَة. أخرجه الترمذي.
بل إنّ الله تعالى يحبّ التوابين، ويفرح بتوبتهم، ويبدل سيئاتهم حسنات، والتوبة تمحو أثر الذنب، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِن الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ.
وعليه؛ فالواجب عليك المبادرة بالتوبة إلى الله تعالى مما وقعت فيه من السرقة، والتوبة تكون بالإقلاع، والندم، والعزم على عدم العود، ورد المسروق إلى صاحبه، أو استحلاله منه، وإذا كنت عاجزة عن رد المسروق، وعزمت على رده عند القدرة صحت توبتك بذلك، كما بيناه في الفتوى رقم: 350644.
والله أعلم.