السؤال
لدينا في العمل زميلة محجبة، ولكن على الموضة، شعرها يظهر من تحت طرحتها، وتضع المكياج والعطور بصورة لافتة جدا، بالإضافة إلى أن لبسها به العديد من المخالفات، وأنا لست متدينا بالشكل الكامل، ولكن لدي والحمد لله من الأساسيات الدينية ما يحفزني دائما لنصيحتها، خاصة وأنني أتعامل معها كأخت، وليس لي أي غرض آخر، فأنا متزوج، والحمد لله، ورزقني الله بالبنين والبنات، وسعيد جدا مع زوجتي وأبنائي، ولكن هناك من الزملاء في العمل من يتحدث عن زميلتنا، وعن لبسها، وعن عطرها، ويتغنى بذلك بطريقة مسيئة، ويصفها ببعض الصفات السيئة، وأنا يضايقني ذلك لكونها أختا لنا في الإسلام، ولا يجوز حتى مع ما هي فيه من تبرج أن نتكلم عنها بمثل هذا الكلام.
السؤال هنا: نصحتها أكثر من مرة لكي تغير لبسها، وتغطي شعرها، وتمنع العطور الفواحة، وفي كل مرة تقوم بإحراجي وعدم تقبل النصيحة. مع العلم أنني نصحتها مرة في العلن أمام الزملاء، ومرات عن طريق إرسال رسائل عبر الماسنجر لفتاوى من موقعكم الكريم، ولكن دون جدوى. وكنت أنصحها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فهل أستمر في نصحها؟ أم أتركها دون أن أفعل؟ وهل عليّ ذنب في عدم أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر؟
ورجاءً توجيه نصيحة لها ولمثيلاتها من أخواتنا المسلمات.
شاكرا لكم سعة صدركم و تفضلكم بالإجابة و آسف على الإطالة
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يثيبك خيرا على غيرتك على محارم الله، وحرصك على واجب النصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه قربة من أعظم القربات. ونسأله سبحانه لهذه الأخت وأمثالها من أخواتنا المسلمات التوبة والهداية إلى الصراط المستقيم. ونوصي بالترفق بها، فالأصل في الدعوة إلى الله الرفق، وإذا روعي هذا الأدب رجي أن يؤتي النصح ثمرته، روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه. ولمزيد الفائدة في آداب النصيحة راجع الفتوى رقم: 13288.
وهذا الحال الذي عليه هذه الفتاة لا شك في أنه نوع من التبرج، والتبرج أمره خطير نهى عنه رب العزة الجلال في كتابه، وجاء فيه الوعيد الشديد في السنة النبوية، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 26387، 115873.
ونصيحتنا لهذه الأخت، وكل من يسلك مثل مسلكها أن تتقي الله عز وجل في نفسها، وتتذكر الموت، والقبر وأهواله، والوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى للحساب، فمن ربح دينه ربح كل شيء، ومن خسر دينه خسر كل شيء، قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ {الزمر:15}.
وقد أحسنت بنصحك لها، ومن المهم الاستمرار في النصح ما رجي أن ينفع النصح، وربما إذا أتى النصح من غيرك ممن له مكانة عندها، كان أجدى وأنفع، وإذا خشيت أن لا يجدي نفعا، وربما زادها عنادا، فالأولى تركه، قال الله تبارك وتعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى {الأعلى:9}.
جاء في تفسير السعدي لهذه الآية قوله: فذكر بشرع الله وآياته، إن نفعت الذكرى، أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة ـ سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه ـ ومفهوم الآية: أنه إن لم تنفع الذكرى ـ بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير ـ لم تكن الذكرى مأموراً بها، بل منهياً عنها. اهـ.
بقي أن نبين لك أن هذه المرأة، وإن كانت أختا لك في الإسلام إلا أنها أجنبية عليك، فيجب أن يكون تعاملك معها على هذا الأساس، وإرسالك لها رسائل على الخاص، وإن تضمنت بعض الفتاوى إلا أنها ربما كانت مدخلا للشيطان للإغراء بما لا يجوز شرعا، وقد حذر الله من فتنته فقال: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ {البقرة:168}.
والله أعلم.