السؤال
هل هذا التفسير صحيح؟
"كنت أظن أن ربنا يقول لنا: إن الآخرة أحسن من الدنيا، وسنرتاح عندما نموت، لكني عرفت أن معناها: آخر كل أمر صعب خير وراحة. أنزلها ربنا على سيدنا محمد ليطمئنه أن آخر الألم فرح كبير.
(ألم يجدك يتيمًا) هذه الأولى، (فآوى) هذه الآخرة.
(ووجدك ضالًّا) الأولى، (فهدى) الآخرة.
(ووجدك عائلًا) الأولى، (فأغنى) الآخرة.
ربنا يقول لنا: إنه سيجازينا ويفرحنا كلنا عن أي حزن، أو ألم مررنا به.
رددوا دائمًا: "ولسوف يعطيك ربك فترضى"..
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن المشهور عند المفسرين في معنى الآخرة والأولى في قوله تعالى: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى {الضحى:4}، هو المعنى الغالب في اصطلاح القرآن العظيم لهاتين اللفظتين، وهو أن (الآخرة) هي دارة الآخرة، وأن (الأولى) هي دار الدنيا ، وقيل: الآخرة عاقبة الأمر ونهايته، والأولى هي بداية الأمر -وهذا هو التفسير الذي بني عليه السؤال-، قال الطبري: وقوله: (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى) يقول تعالى ذكره: وللدار الآخرة، وما أعد الله لك فيها، خير لك من الدار الدنيا وما فيها. يقول: فلا تحزن على ما فاتك منها، فإن الذي لك عند الله خير لك منها. اهـ.
وقال ابن عطية: وقوله تعالى: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى: يحتمل أن يريد الدارين الدنيا والآخرة، وهذا تأويل ابن إسحاق، وغيره، ويحتمل أن يريد حاليه في الدنيا قبل نزول السورة وبعدها، فوعده الله تعالى على هذا التأويل بالنصر، والظهور. اهـ.
وقال البيضاوي: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى، فإنها باقية خالصة عن الشوائب، وهذه فانية مشوبة بالمضار، كأنه لما بين أنه سبحانه وتعالى لا يزال يواصله بالوحي، والكرامة في الدنيا، وعد له ما هو أعلى وأجل من ذلك في الآخرة، أو لنهاية أمرك خير من بدايته، فإنه صلّى الله عليه وسلم لا يزال يتصاعد في الرفعة، والكمال. اهـ.
وقال ابن عاشور: بشر بأن آخرته خير من أولاه، وأن عاقبته أحسن من بدأته.
والآخرة: مؤنث الآخر، والأولى: مؤنث الأول، وغلب لفظ الآخرة في اصطلاح القرآن على الحياة الآخرة، وعلى الدار الآخرة، كما غلب لفظ الأولى على حياة الناس التي قبل انخرام هذا العالم، فيجوز أن يكون المراد هنا من كلا اللفظين كلا معنييه، فيفيد أن الحياة الآخرة خير له من هذه الحياة العاجلة؛ تبشيرًا له بالخيرات الأبدية، ويفيد أن حالاته تجري على الانتقال من حالة إلى أحسن منها، فيكون تأنيث الوصفين جاريًا على حالتي التغليب، وحالتي التوصيف، ويكون التأنيث في هذا المعنى الثاني لمراعاة معنى الحالة.
ويومئ ذلك إلى أن عودة نزول الوحي عليه هذه المرة خير من العودة التي سبقت، أي: تكفل الله بأن لا ينقطع عنه نزول الوحي من بعد.
فاللام في: «الآخرة» و«الأولى» لام الجنس، أي: كل آجل أمره هو خير من عاجله في هذه الدنيا، وفي الأخرى. واللام في قوله: «لك» لام الاختصاص، أي: خير مختص بك، وهو شامل لكل ما له تعلق بنفس النبي صلى الله عليه وسلم في ذاته، وفي دينه، وفي أمته، فهذا وعد من الله بأن ينشر دين الإسلام، وأن يمكن أمته من الخيرات التي يأملها النبي صلى الله عليه وسلم لهم. وقد روى الطبراني، والبيهقي في «دلائل النبوة» عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرض عليّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي، فسرني، فأنزل الله تعالى: وللآخرة خير لك من الأولى. اهـ.
وقال ابن سعدي: وأما حاله المستقبلة، فقال: {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى} أي: كل حالة متأخرة من أحوالك، فإن لها الفضل على الحالة السابقة، فلم يزل صلى الله عليه وسلم يصعد في درج المعالي، ويمكن له الله دينه، وينصره على أعدائه، ويسدد له أحواله، حتى مات، وقد وصل إلى حال لا يصل إليها الأولون والآخرون، من الفضائل، والنعم، وقرة العين، وسرور القلب. ثم بعد ذلك، لا تسأل عن حاله في الآخرة، من تفاصيل الإكرام، وأنواع الإنعام. اهـ.
فتفسير الآية بأن عاقبة أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا خير من أول أمره فيها وبدايته قول سائغ معروف عند المفسرين.
لكن يبقى الكلام في صحة تعميم هذه الآية في البشر كلهم، وأن عاقبة أمرهم خير من أوله، وهذا التعميم لا يصح، وإنما الذي يمكن أن يقال هو:
إن كل من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم، فله نصيب من هذا الفضل، وغيره من الفضائل التي أكرم بها النبي صلى الله عليه وسلم مما ليس من خصائص النبوة، وذلك بقدر اتباعه له، ودليل ذلك متوافر في القرآن، والسنة، وتردد على ألسنة العلماء.
والله أعلم.