السؤال
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
لماذا أشار الله بالبعيد: تلكم، رغم أنهم فيها؟ والإشارة بالنسبة لله عز وجل، أم لأصحاب الجنة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تكلم جمع من المفسرين في سر التعبير باسم الإشارة للبعيد (تلكم) في هذه الآية، وذكروا في ذلك عدة أوجه.
قال ابن عطية: وتِلْكُمُ إشارة فيها غيبة -يعني: للبعيد- فإما لأنهم كانوا وعدوا بها في الدنيا، فالإشارة إلى تلك، أي تلكم هذه الجنة، وحذفت هذه، وإما قبل أن يدخلوها، وإما بعد الدخول وهم مجتمعون في موضع منها، فكل غائب عن منزله. اهـ.
وقال البيضاوي: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ: إذا رأوها من بعيد، أو بعد دخولها، والمنادى له بالذات.
قال الشهاب الخفاجي في حاشيته: قوله: (إذا رأوها من بعيد أو بعد الخ) يعني الإشارة بتلك الموضوعة للإشارة إلى البعيد لها قبل دخولها، والنداء للإعلام بأنها موروثة لهم. وبعد الدخول المشار إليه كونها موروثة لهم، وتلكم توطئة لذلك، وإلا فلا حاجة إلى الإشارة إلى مكان حل فيه أحد، كما أنه لا حاجة إلى كون التقدير تلكم الجنة التي وعدتم بها في الدنيا هي هذه، فيكون المشار إليه غائباً بعيدا، فتلكم خبر مبتدأ محذوف، أي هذه تلكم الجنة الموعودة لكم قبل، أو تلكم مبتدأ حذف خبره، أي تلكم الجنة التي أخبرتم عنها أو وعدتم بها في الدنيا هي هذه، وقوله: والمنادى مبتدأ خبره أورثتموها. اهـ.
وقال القرطبي: لهم:"تلكم الجنة" لأنهم وعدوا بها في الدنيا، أي قيل لهم: هذه تلكم الجنة التي وعدتم بها، أو يقال ذلك قبل الدخول حين عاينوها من بعد. وقيل:"تلكم" بمعنى هذه. اهـ.
وقال الآلوسي: ومعنى البعد في اسم الإشارة: إما لرفع منزلتها وبعد مرتبتها، وإما لأنهم نودوا عند رؤيتهم إياها من مكان بعيد، وإما للإشعار بأنها تلك الجنة التي وعدوها في الدنيا. اهـ.
وقال ابن عاشور: والإشارة إلى الجنة بتلكم، الذي حقه أن يستعمل في المشار إليه البعيد، مع أن الجنة حاضرة بين يديهم، لقصد رفعة شأنها وتعظيم المنة بها. اهـ.
وأما قولك: (و الإشارة بالنسبة لله عز وجل، أم لأصحاب الجنة): فالإشارة للجنة، والنداء لأهلها. جعلنا الله منهم.
والله أعلم.