السؤال
أخذني والدي أنا وأختي لأداء فريضة العمرة، وأتممنا عمرتين بحمد الله.
أبي رجل يعرف الله، وعلى خلق حسن، وسمعته طيبة والحمد لله، وملتزم بصلواته والنوافل، وقيام الليل، وقراءة القرآن الكريم.
وبعد وصولنا إلى المدينة المنورة، في الفندق كنا نعاتب بعضنا أنا وأختي؛ فلكي ينهي هذا الخلاف، قام أبي بالضرب على آخر وجهه مرة واحدة، كأنه يلطم على آخر وجهه ليس لطما على كامل وجهه مرة واحدة، فأمسكت يديه ومنعته.
لقد فعل ذلك لكي يمنعنا من العتاب والشجار في هذا المكان الطاهر، ويقول لنا إنه لا شجار في الحج، والعمرة مثل الحج. هل يعد هذا لطما؟
فإنها كانت لحظة غضب منه، وهي ليست من أخلاقه الدائمة.
فما حكم ذلك؟
إني أخاف عليه من عقاب الله، ومن هذا الفعل، ونحن على أرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهو يعلم عظمة هذا المكان.
وهل يضيع ذلك أجر عمرته؟ وهل يقبل الله التوبة خصوصا في موقعنا؟
وأخاف عليه من الذنب بالمدينة المنورة؟ وهل بعد التوبة يكتب ذلك ذنبا؟ وهل تضيع بذلك كل حسناته وعمرته؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أبوك لم يقصد لطم الوجه تسخطا، وإنما قصد تنبيهكما بهذه الحركة؛ لئلا تسترسلا في الشجار، فليس عليه إثم -إن شاء الله- فليس كل صك للوجه محرما.
وقد ذكر الله عن سارة أنها صكت وجهها، تعجبا من بشارة الملائكة بإسحاق؛ قال تعالى: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ {الذاريات:29}.
قال ابن كثير: فَصَكَّتْ وَجْهَها: أَيْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا عَلَى جَبِينِهَا. قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ سَابِطٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: لَطَمَتْ أَيْ تَعَجُّبًا، كَمَا تَتَعَجَّبُ النِّسَاءُ مِنَ الْأَمْرِ الْغَرِيبِ. انتهى.
وأما إن كان فعل ذلك تسخطا على تلك المصيبة التي نزلت به وهي تشاجركما، فقد فعل محرما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية. متفق عليه.
قال العزيزي في شرح الجامع الصغير: المعنى: ليس على ديننا الكامل. وكان السبب في ذلك ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء. انتهى.
فإن كان الأمر كذلك، فما فعله أبوك يعد خطأ، لكن التوبة النصوح تمحو ما كان من ذنب، كائنا ما كان، فلو قدر أن أباك قد ارتكب محظورا، فلا يلزمه سوى التوبة النصوح المستوفية لشروطها، ولا يحبط شيء من حسناته، ولا يؤاخذ بما فعله ما دام قد تاب منه.
قال ابن تيمية: ونحن حقيقة قولنا أن التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا شرعا ولا قدرا. انتهى.
ولا يؤثر ذلك على عمرته، وغيرها من صالحات عمله، ما دام قد تاب توبة نصوحا.
والله أعلم.