السؤال
لديّ مشكلة معقدة، فقد حصل خلاف بيني وزوجتي، وبعد شجار طلبتْ مني أن آخذها إلى بيت أبيها، فوافقت، ثم تدخل والديَّ، حيث أتيا إلى منزلي، فقلت لوالدتي: خذيها، فأنا لا أحتاجها، ولا أدري هل كانت كنايتي بنية الطلاق أم لا، علمًا أني مصاب بنوبات أمراض نفسية، ووساوس عنيفة جدًّا، تشمل كل شيء، بما فيها العبادات، وشروطها، وغير ذلك، وفي اليوم الموالي ذهبت إلى بيت والدي، وأرجعتها ناويًا الرجوع، والإصلاح، ولا أدري هل احتسبت طلقة أم لا.
ثم اشتعل شجار آخر بسبب عقد عمل لها، وضمان اجتماعي، يسري مفعوله دون عمل، فقلت لها: إن لم توقفي العقد، فإنها طالق، ثم اشتد الخلاف، فطلبت منها جمع أغراضها للذهاب بها إلى بيت أهلها، ولا أدري هل نويت الطلاق أم لا، ثم أخذتها إلى بيت أهلها، وطرحت عليهم المشكلة، وتفاهمنا على أن توقف العقد يوم الأحد، لكنها تراجعت، وطلبت مهلة للتفكير، فكلمتها هاتفيًّا مهددًا إياها ومذكّرًا لها أنني حالف يمين طلاق معلق على شرط إيقاف عقد العمل، فلما كان الاثنين اتصلت بها، وبعد شجار كالعادة، أقسمت لها أنها إن لم توقف العقد اليوم، فإنها طالق، وأعدت نفس الكلام على مسامع أمها، وأخيها، فذهبت إلى مكتب عقود العمل، ودفعت طلب فسخ عقد العمل، فتم استلام الطلب، ثم تعرضت هي إلى نوبة مرضية، ونقلت إلى المستشفى، وباتت فيه (حسب روايتها)، وبعد يومين عادت إلى مكتب عقود العمل، فتم توجيهها إلى مركز عقود العمل، وذلك بمركز المحافظة، وهي الآن بصدد متابعة العملية لإيقاف عقد العمل.
وخلاصة القول: إن العقد لم يتوقف يوم الاثنين مثلما طلبت، وأقسمت لها، ولأمها، ولأخيها، فهل وقع الطلاق فيما سبق؟ وهل الأيمان العديدة التي حلفتها تعدّ واحدة، أم بعدد مرات القسم؟ علمًا أنها كانت في نفس الموضوع -أي الشرط المعلق-، كما أحيط فضيلتكم علمًا أنه لا توجد في بلدي محاكم شرعية؛ للبت في الجانب الشرعي، وإنما يفصلون بالقوانين الوضعية. بارك الله لكم، وفيكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقولك لأمّك عن زوجتك: (خذيها، فأنا لا أحتاجها)، كناية من كنايات الطلاق، لا يقع بها الطلاق إلا مع النية.
وإن كنت في شك من نيتك، فالأصل عدم نية الطلاق، والبقاء على اليقين، وهو بقاء العصمة الزوجية.
وإذا كانت الطلقة غير محتسبة، فإرجاعك لها بعد ذلك تحصيل حاصل.
وما ذكرناه هنا من عدم وقوع الطلاق، يشمل الحالة الأخرى التي طلبت فيها منها جمع أغراضها للذهاب بها إلى بيت أهلها، فلا يقع بها الطلاق.
واعلم أن من غلبت عليه الوسوسة، لا يقع طلاقه، ولو تلفظ بصريح الطلاق، فضلًا عن تلفظه بكنايته، كما سبق أن بينا في الفتوى: 102665.
وبخصوص الحالة التي علقت فيها طلاق زوجتك على عدم فسخها عقد العمل: فإن كان الواقع ما ذكرت من أنها سعت في فسخه في اليوم الذي حددته لها، وكانت مهتمة بالأمر لولا ما حدث لها من مرض، فلا تطلَّق للعذر، في قول بعض أهل العلم، قال ابن قدامة في الكافي في فقه الإمام أحمد: وإن تلف المحلوف عليه قبل الإمكان، حنث لما ذكرنا، ويتخرج ألا يحنث؛ لأنه عجز بغير فعله، أشبه المكره.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين: فَاَلَّذِي يَلِيقُ بِقَوَاعِدِ أَحْمَدَ وَأُصُولِهِ، أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي صُورَةِ الْعَجْزِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَجْزُ لِمَنْعٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ مَنْعٍ كَوْنِيٍّ قَدَرِيٍّ، كَمَا هُوَ قَوْلُهُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْعَجْزُ لِإِكْرَاهِ مُكْرَهٍ. اهـ.
وبخصوص تكرار الطلاق المعلق، وما يترتب عليه من أحكام، راجع الفتوى: 127400.
وننبهك إلى أمرين:
الأول: الحذر من التساهل في التلفظ بالطلاق، وجعله وسيلة حلّ مشاكل الحياة الزوجية.
الثاني: العمل بقاعدة: اليقين لا يزول بالشك في جميع أمورك من العبادات، وغيرها، فلا يبطل شيء منها لمجرد الشك.
وعليك أن تجاهد الوساوس، وتسعى في التخلص منها، فإنه لا علاج للوساوس أمثل من الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، هذا بالإضافة إلى الذكر، وتلاوة القرآن، والدعاء، والرقية الشرعية، وانظر الفتوى: 51601، والفتوى: 3086.
والله أعلم.