السؤال
أعيش في ألمانيا منذ ثلاث سنوات، ولم أجد امرأة للزواج، وبعد أن التقيت بامرأة في مدينة أخرى بعيدة عن مدينتي، وأردت الذهاب إليها، وأهلها ليسوا معها، وهي وحدها، فقلت لها أن تزوجني نفسها حتى أقدر المبيت معها؛ لأنني أسافر إلى مدينة أخرى، وقد تزوجنا عبر الهاتف بصيغة (زوجتك نفسي على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، وعلى مهر قدره كذا وكذا. وأنا قلت (وأنا قبلت الزواج بك على الصداق المسمى بيننا)، وأخبرنا بعدها كل أهلها، وقلنا للجيران، وعملنا عزيمة مثل وليمة على أساس أننا تزوجنا، والكل علم بذلك، والأهل وافقوا.
ولكن قرأت أن الزواج لا يحصل بالهاتف. فهل وقعنا في الزنا دون قصد أو ماذا؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
نحن في ألمانيا، وصعب علينا إيجاد مسجد يقبل بالزواج دون الأوراق القانونية التي علينا أن ننتظر مدة طويلة، ونحن بحاجة للزواج لنعف أنفسنا عن الحرام.
فهل وقعنا في الحرام؟ أم لنا مخرج من هذه المصيبة؟
بارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنود أن ننبه أولا إلى أن من يجهل الأحكام الشرعية عليه أن يسأل قبل الإقدام على الفعل، قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. اهـ.
ويتأكد ذلك فيما يتعلق بالفروج، فأمرها عظيم حتى أن أهل العلم أصَّلوا قاعدة مفادها أن الأصل في الأبضاع التحريم. وجعلوا العرض من الضرورات الكلية الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها.
والزواج الصحيح له شروط سبق وأن بيناها في الفتوى: 1766، وقد أوضحنا فيها أن الراجح قول الجمهور في اشتراط الولي خلافا لأبي حنيفة - رحمة الله على الجميع - حيث يرى أن للمرأة أن تزوج نفسها، فمن قلده في ذلك اقتناعا برجحان مذهبه، وليس اتباعا للهوى، فزواجه صحيح من هذه الجهة، ولكن يبقى النظر في أمر الشهود، فإن لم يشهد على الزواج شاهدان، فإنه لا يصح في أيِّ من المذاهب الأربعة، هذا بالإضافة إلى أن إجراء العقد عن طريق وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف أو غيره، يكتنفه كثير من الغموض، وقد منع من صحته كثير من أهل العلم، وصدر به قرار المجمع الفقهي، وراجع التفصيل في الفتوى: 96558.
وإخبار أهلها بعد ذلك لا يسوغ هذا الزواج، ولا يجعله صحيحا، فيجب تجديد العقد مستوفيا الشروط، علما بأنه لا يشترط لصحة الزواج أن يكون في مسجد، أو يتولى عقده إمام المسجد.
ونرجو أن لا حرج عليكم فيما مضى، ولا تكون تلك المعاشرة زنا للجهل بالحكم الشرعي، وإن وجد من هذا الزواج أولاد فيلحقون بك في نسبهم للشبهة.
والله أعلم.