السؤال
ما صحة هذا الأثر؟ وهل فيه ما لا يصح قوله؟
يقول مالك بن دينار -رحمه الله-: دخلت البصرة يومًا، فوجدت الناس قد اجتمعوا في المسجد الكبير، يدعون الله من صلاة الظهر إلى صلاة العشاء، لم يغادروا المسجد، فقلت لهم: ما بالكم؟
فقالوا: أمسكت السماء ماءها، وجفت الأنهار، ونحن ندعو الله أن يسقينا، فدخلت معهم. يصلون الظهر، ويدعون، والعصر ويدعون، والمغرب ويدعون، والعشاء ويدعون.. ولا تمطر السماء قطرة.. فخرجوا ولم يستجب لهم.
يقول: ثم ذهب كل منهم إلى داره، وقعدت في المسجد، ولا دار لي، فدخل رجل أسود، أفطس، أي: صغير الأنف، (أبجر) أي: كبير البطن، عليه خرقتان، ستر عورته بواحدة، وجعل الأخرى على عاتقه من شدة فقره، فصلى ركعتين، ولم يطل، ثم التفت يمينًا ويسارًا ليرى أحدًا، فلم يرني، فرفع يديه إلى القبلة وقال: إلهي وسيدي ومولاي، حبست القطر عن بلادك، لتؤدب عبادك، فأسالك يا حليماً ذا أناة، يا من لا يعرف خلقه منه إلا الجودان، تسقيهم الساعة الساعة الساعة، يقول مالك: فما أن وضع يديه، إلا وقد أظلمت السماء، وجاءت السحب من كل مكان، فأمطرت كأفواه القِرب! يقول مالك: فعجبت من الرجل، فخرج من المسجد فتبعته، فظل يسير بين الأزقة والدروب حتى دخل داراً، فما وجدت شيئًا أعلّم به الدار، إلا من طين الأرض، فأخذت منها، وجعلت على الباب علامة، فلما طلعت الشمس، تتبعت الطرق حتى وصلت إلى العلامة، فإذا هو بيت نخّاس يبيع العبيد، فقلت: يا هذا، إني أريد أن أشتري من عندك عبدًا، فأراني الطويل والقصير والوجيه، فقلت: لا لا، أما عندك غير هؤلاء؟ فقال النخاس: ما عندي غير هؤلاء للبيع. يقول مالك: وأنا خارج من البيت، وقد أيست، رأيت كوخًا من خشب بجوار الباب، فقلت: هل في هذا الكوخ من أحد؟ فقال النخاس: من فيه لا يصلح.. أنت تريد أن تشتري عبدًا، ومن في هذا الكوخ لا يصلح، فقلت: أراه ..!! فأخرجه لي، فلما رأيته عرفته، فإذا هو الرجل الذي كان يصلي بالمسجد البارحة، فقلت للنخاس: أشتريه، فأجابني: لعلك تقول غشّني الرجل، هذا لا ينفع في شيء، هذا لا يصلح في شيء.. فقلت أشتريه.. فزهد في ثمنه، وأعطاني إياه، فلما استقر بي المقام في بيتي، رفع العبد رأسه إليّ وقال: يا سيدي، لم اشتريتني؟ إن كنت تريد القوة، فهناك من هو أقوى مني، وإن كنت تريد الوجاهة، فهناك من هو أبهى مني، وإن كنت تريد الصنعة، فهناك من هو أحرف مني! فلم اشتريتني؟ قلت: يا هذا، بالأمس كان الناس في المسجد، وظلت البصرة إلى آخره ......