السؤال
أقطن مع والدي، وأنا متزوج، وعندي بنتان. قام أبي بكتابة المنزل باسمي كنصيبي من الميراث، الشيء الذي لم يرق لأمي، التي في كل مرة تعبر عن ذلك بإهانة أبي المقعد، مع العلم أن علاقتها مع زوجتي حسنة. وكل مرة أهددهما بالخروج يرفضان، وهما بحاجة للرعاية.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تذكر لنا فيما أوردت سؤالا معينا... وتعليقا على ما كتبت نقول: إن كانت كتابة أبيك هذا البيت باسمك على سبيل الهبة؛ فإنك تستحقه، بشروط سبق بيانها في الفتوى: 43819.
وإن كان ذلك متعلقا بما بعد الموت فهو وصية، ولا وصية لوارث، وانظر للمزيد الفتوى: 393616.
ولا يحق لأمك إهانة أبيك، فهو زوجها، وله القوامة عليها، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}.
وإذا كان سبب إهانتها له هو ظنها بأن كتابته المنزل باسمك على سبيل الوصية سيحرمها من حقها في الميراث، فأعلمها بأن الكتابة هذه وصية باطلة، ولا تؤثر شرعا على نصيبها من الميراث إذا افترض أنها ستكون وارثة لوالدك، لعلها تتراجع عن إهانة والدك وتستسمحه.
وإن كان والداك في حاجة للرعاية، فرعايتهما واجبة على أبنائهما جميعا، فإن لم يكن لهما ابن غيرك، تعينت عليك رعايتهما. جاء في فتاوى دار الإفتاء: رعاية الوالدين وبرهما، وخاصة عندما يكونان في حاجة إلى ذلك، أمر أوجبه الشرع الحكيم لهما على أبنائهما ذكورا وإناثا، فالواجب على الأبناء أن يقوموا بخدمة والديهم على أتم وجه، وهذا أمر يجب عليهم بالتساوي، وليس على أحدهم دون الآخر، وذلك بالقياس على وجوب الإنفاق.... وهذا يدخل ضمن الإحسان الذي أمر الله تعالى به في قوله: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}.
قال ابن عاشور في تفسيره: وشمل الإحسان كل ما يصدق فيه هذا الجنس من الأقوال والأفعال، والبذل والمواساة. اهـ.
وإن رغبت في السكن في بيت مستقل عن والديك - مع عدم التفريط في أمر الرعاية- فلك ذلك، والأولى أن لا تفعل إن لم تدعك لذلك حاجة.
وأما تهديدهما بأمر الخروج، فيتنافى مع ما يجب للوالدين على الولد من التوقير، ويمكن أن يترتب عليه العقوق إن كان ذلك يؤذيهما.
قال القرطبي عند تفسيره قوله تعالى: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23}: أي لينا لطيفا، مثل: يا أبتاه، ويا أمّاه من غير أن يسميهما، ويكنيهما. قال عطاء: وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما. ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب، للسيد الفظ الغليظ. اهـ.
والله أعلم.