الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإنكار على الأب ليس كالإنكار على غيره

السؤال

لي صديق سألني النصيحة، ولكني لا أعلم كيف لي أن أنصحه، فتذكرت سؤالكم، وأتمنى أن أجد عندكم أفضل ما يمكنني القيام به.
صديقي يحب والده جدا جدا، ويعترف دوما بفضل والده عليه، وأنه صاحب المنَّ بعد الله في حياته. وبعدما كان يتمنى أن يكون بين الناس كأبيه، وحب الناس له، فوجىء ذات مرة أن أحدا أبلغه بفعل أبيه لأمر سيء أخلاقيا جدا، وبعد إنكار على المبلِّغ قام بالتأكد بنفسه، وواجه أباه، فاعترف بعمله له. منذ ذلك الحين ووالده قد سقط من نظره، وأصبح في حيرة شديدة من أمره. أصبح بين نار كراهية أبيه التي ظهرت له بعد ما قام به، وبين حبه له، ورغبته في بره، وعدم عقوقه. أصبحت أرى عليه كلما جلسا سويًّا تجنبه لأبيه، ولحديثه معه، أصبحت أرى نتيجة لذلك قسوة من الأب عليه. فبعدما كان أبوه أرفق الناس به، أصبح أبوه من أكثر الناس بغضا عنده، ولكنه دوما يقول لي: أخاف إثم العقوق لأبي وحقيقة ما بداخلي أني أشفق عليه، وإني أحبه، ولكني لا أستطيع رؤيته منذ ذلك الوقت، وكثيرا من الوقت تمنيت الموت له، أو لي قبل أن يوضَع أو يوضِع أباه في الحرج أمام المجتمع.
أصبح ينكر مع الوقت نسبه لأبيه، وبدأ يفتخر بما يفعله بنفسه فقط، ولا يحب أن يذكر له سيرة حسنة نتيجة لعلاقته بأبيه.
لا أعرف ماذا أقول له. أمرته بكثره الدعاء بلين قلبه وقلب أبيه، ولكنه لم يستجب.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان ما فعله أبوه أمرا منكرا، فإنه يأثم بذلك، ولا حرج في أن يكره صديقك من أبيه ما فعل، فهذا الكره القلبي لا مؤاخذة فيه؛ لأنه لا مدخل له فيه ولا اختيار، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}، وروى ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . ولو اطلع منه على الوقوع في هذا المنكر أو غيره، فلينكر عليه ذلك، فالأب ينكر عليه كما ينكر على غيره، مع مراعاة المزيد من الرفق والأدب، فليس الأب كغيره، وانظر الفتوى: 134356.

ويجب عليه أن يكون على حذر من أن يصدر عنه ما يؤذي أباه، ولو بأدنى درجات الأذى، فذلك موجب للعقوق، فالله عز وجل أمر ببر الأب والإحسان إليه، ولو كان كافرا، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا... الآية{لقمان:15}، فتجنبه لأبيه، وتركه الحديث معه يتنافى ما أمر به هنا من حسن الصحبة. ودعاؤه عليه بالموت أمر منكر، ونوع من العقوق تجب عليه التوبة منه. ويحرم كذلك أن يدعو المسلم على نفسه بالهلاك، وسبق لنا بيان ذلك في الفتوى: 8729. وكذلك الحال بالنسبة للبراءة من النسب فإنه لا يجوز؛ كما هو مبين في الفتوى: 76375.

وقد أحسن بدعائه له بالخير والصلاح، فليثبت على ذلك، وليبذل له النصح بالحكمة والموعظة الحسنة في ضوء ما ذكرنا من أحكام وتوجيهات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني