السؤال
يقول الله تعالى حكاية عن كفار الجن والإنس يوم القيامة: "ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها"، وقد قرأت كل التفاسير التي تفّسر هذه الآية، فلم أجد تفسيرًا واحدًا يتحدث عن ما يسمى بالجن العاشق الذي يتلبس بجسد الإنس، ويكون من أهم آثار هذا النوع من المسّ إيقاد نار الشهوة العارمة لدى الشخص الممسوس؛ مما يجعله منهمكا في شهوة الجنس، وما يترتب عليه من إدمان العادة السرية، ومشاهدة الإباحيات، فهل الشخص الممسوس بالمسّ العاشق، ويمارس هذه الأفعال، كافر -أي استمتاع الإنس بالجن بممارسة العادة السرية، وإدمان الإباحية- كما تصف الآية؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن تلبس الجني بالإنسي واقع محسوس، وليس على من تلبس به الجني لأذيته إثم، لكنه يأثم على ما فعله من المعاصي باختياره.
فإذا استمنى، أو فعل ما يأمره به الجني باختياره، أثم لذلك، ولم يكن ذلك كفرا.
ولا بد من التنبه إلى أن كثيرًا مما يظن مسًّا، ليس كذلك، بل غالب من تسيطر عليهم تلك الشهوات إنما يتبعونها بموجب أهوائهم، ونفوسهم الأمّارة بالسوء، وليس لمسّ الجن تعلّق بذلك.
وأما الآية فليست من هذا الباب، فإنها في من يستخدم الجن، ويأمره بما فيه مصلحته، ويتقرّب إليهم بأنواع القربات ليعينوه على ذلك، فهذا استمتاع الإنسيّ بالجنيّ أن يقضي له حاجته، واستمتاع الجني بالإنسي أن يتقرب إليه بأنواع القربات، قال الألوسي: ربنا استمتع بَعْضُنا بِبَعْضٍ، أي: انتفع الإنس بالجن، حيث دلّوهم على الشهوات، وما يتوصل به إليها، والجن بالإنس، حيث اتخذوهم قادة ورؤساء، واتبعوا أمرهم، فأدخلوا عليهم السرور بذلك.
وعن الحسن، وابن جريج، والزجاج، وغيرهم أن استمتاع الإنس بهم أنهم كانوا إذا سافر أحدهم، وخاف الجن قال: أعوذ بسيد هذا الوادي.
واستمتاعهم بالإنس: اعترافهم بأنهم قادرون على إعاذتهم، وإجارتهم.
وعن محمد بن كعب أن المراد باستمتاع بعضهم ببعض طاعة بعضهم بعضًا، وموافقته له. انتهى.
وينبغي التنبه إلى أن كيد الشيطان ضعيف، فمن استعان بالله بإخلاص، وصدق، تخلص مما يصيبه من كيده، ومسّه، وراجع لمزيد الفائدة حول كيفية العلاج من المسّ -سواء هذا المذكور في السؤال أم غيره- الفتوى: 258499.
والله أعلم.